للتطرف أكثر من وجه!
في ظل الانعطافات التاريخية، والأزمات الكبرى مثل التي نمر بها وفي ظل عدم تبلور حلول متكاملة في الوقت المناسب، تصبح البيئة مناسبة تماماً لظاهرة التطرف بمختلف أشكاله القومي والديني والمذهبي وغيره..
ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة الآفة على أكثر من مستوى، فإذا كان شيوع التطرف في بعض الأوساط الشعبية تحت ضغط الواقع، وبتأثير من وسائل الإعلام المختلفة أمراً خطيراً، إلا أنه يعتبر آنياً وعابراً ومؤقتاً سرعان ما يتلاشى ويغيب تأثيره في أية فرصة تتوفر لتجاوز المأزق الراهن، ولكن الأخطر هو المستوى الثاني من التطرف، وهو تطرف النخب الذي يستمد قوته مما تمتلك من مصادر قوة. وكونه يعبر عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهي تعمل على تأطير التطرف في المستوى الأول، وتبلوره وتنظمّه وتعمل ما في وسعها لاستمراره وتعميقه، باعتبار أن هذا التطرف يبرر كل سلوكها ومواقفها أمام أنصارها الذين يكونون ضحاياه أصلاً، وأمام الرأي العام.
إذا كانت العوامل النفسية والثقافية تلعب دوراً ما لدى البعض في تفشي هذه الظاهرة، إلا أن جوهر الظاهرة يكمن في ما هو مسكوت عنه في وسائل الإعلام المعاصر، ألا وهو جذر الصراع الذي يقف في نهاية المطاف عند حدود المصالح الاجتماعية للنخب في طرفي أي صراع، والتي تحاول أن تطبع الوعي الاجتماعي بطابعها.
وما يزيد الطين بلة هو أنه في اطار الصراع وتعقده وتعمقه، يغيب دور المؤسسة الجامعة أي جهاز الدولة الذي أصبح عاجزاً عن أداء الدور المطلوب منه في تأمين حاجات الناس اليومية في بعض المناطق، فاتسعت الهوة بينه وبين الناس، أو بسبب سياسة العقاب الجماعي التي لجأت إليها بعض الأجهزة بحق مدن وبلدات وأحياء في إطار أوهام الحسم، ففتحت الأبواب على مصراعيها لتنامي هذه الظاهرة الخطيرة باتجاه بنى ما قبل الدولة الوطنية، وينعكس موقفاً من مؤسسات الدولة التي هي ملك لكل السوريين.
يُسجل للشعب السوري، إنه حافظ حتى الآن على وحدة بنيته المجتمعية، ولم ينجرّ إلى مواقع الصراعات الملوثة رغم كل المحاولات من هنا وهناك، إلا أن استمرار الوضع الحالي بات يحمل مخاطر كبرى وجدية للسير بهذا الاتجاه الكارثي.
يتجسد التطرف في الموقف لدى البعض أيضاً في الموقف من الدين، إذ يحاول هذا البعض أن يعزو الظاهرة إلى الثقافة الدينية على خلفية رواج الشعارات الدينية في أسماء المجموعات المسلحة، ليصبح الدين هو المسؤول عما يجري، في حين بات البعض الآخر يكفر بالعروبة على خلفية مواقف بعض الحكام العرب، مع العلم أن الدين والقومية وبغض النظر عن الموقف منهما هما من مكونات الوعي الجمعي للشعب السوري التي يمكن أن يتم توظيفهما بالاتجاه الصحيح.