استقالة الحريري.. لا تتفاجؤا .. وانتظروا المزيد!
جاءت استقالة سعد الحريري، ضمن السياق الطبيعي لتطور الأحداث، فهي في العمق أحد تجليات حالة الحلف الاقليمي، الذي ينتمي إليه «المُقال أو المستقيل» - لا فرق هنا - و رسم ملامح دوره اللاحق.
سمح ريع البترودولار، في مرحلة الفورة النفطية، الاولى والثانية، والتمركز الهائل للثروة، بصناعة بنى متكاملة، سياسية، حزبية، اعلامية، و تم تضخيم دورها، لتصبح جزءاً من المنظومة الرأسمالية الطرفية التابعة، وأدواتها، وأذرعها، وقواها الضاربة احياناً...، واليوم، وفي ظل الأزمة الرأسمالية العظمى، و التراجع العام، واضطرار المركز الامبريالي الغربي الى التخلص من الأحمال الزائدة، تضطر المراكز الاقليمية التابعة بدورها، إلى رمي بضاعتها التي لم تعد صالحة للاستهلاك السياسي في سلة المهملات، بعد شفط ما تجمع الثروة لديها، والتصفيات التي تتطلبها هذه العملية.
و من جانب آخر، و في الخاص اللبناني، تعني الاستقالة افتضاح عورة التوافق الكاذب، بين البنى التقليدية الطائفية أو الدينية، ومدى بؤسه، وهشاشته، الذي وصل بدوره إلى طريق مسدود، باعتبار أن هذا التوافق أصلاً، هو من مخرجات تلك المرحلة، بغض النظر عن التقييم الخاص لكل عنصر من عناصر التركيبة الطائفية اللبنانية، ودوره.
إن الانطلاق من هذه الحقيقة، ضرورة لابد منها للقوى الوطنية والديمقراطية والثورية، في بلدان المنطقة عموماً، وفي لبنان خصوصاً، لوضع المهام اللاحقة، فتفكك البنية السابقة، يفسح المجال موضوعياً، امام الخيارات الجذرية البديلة خارج السياقات التقليدية، مما يعني إمكانية الانتقال من الدفاع الى الهجوم، عبر برنامج وطني شامل، سياسي، و النضال من أجل المهام الوطنية، والاقتصادية – الاجتماعية، والديمقراطية، على أساس ترابطها وتكاملها.
لاشك أن قوى عديدة دولية، وإقليمية، وداخلية لبنانية، ستحاول الاستثمار، في هذا الحدث «المفاجىء»، ضمن النهج السياسي التقليدي السائد والمهيمن، وسيطل المحللون من هنا وهناك كعادتهم بمقاربات جزئية، وآنية، وقد تخلط الاستقالة الأوراق مؤقتاً، لاسيما، وأن نص الاستقالة تضمن الحديث عن «اكشن الاستهداف»، لزوم التوتير، ولكن كل ذلك لا يلغي حقيقة أساسية، وهي، أن حلفاً كاملاً يتخبط ويتراجع، وأن كل من اعتاش على وجوده سواء عن طريق الارتزاق المباشر، أو عن طريق التخادم معه في طريقه إلى الهزيمة، إلا من رحم ربي، وامتلك الادوات المعرفية التي تؤهله، لفهم طبيعة تناقضات المرحلة، وأن عالماً يموت، و عالم آخر نقيضاً له يولد.