الفضاء السياسي الجديد
إن الانطلاقة المبكرة للجبهة الشعبية للتغيير والتحرير بمكوناتها السياسية الحالية واللاحقة. ورؤيتها السياسة العميقة للأزمة السورية منذ بداية الحراك السياسي والاجتماعي في البلاد... يجعلها تشكل حجر الزاوية في أي حل سياسي، وقوة سياسية لا بديل عنها في خوض معركة المخرج الآمن للأزمة في البلاد.
وهذه الأحقية لم تأت من صحة وجمال أفكارها فقط. بل لواقعية أفكارها السياسية وإمكانية تنفيذها على أرض الواقع، ولأنها أيضاً تلبي مصالح الأكثرية الساحقة من أبناء المجتمع السوري، فهي أي الجبهة بقواها السياسية المتوافقة أدركت وعبر انطلاقها من المنصة المعرفية التي تملكها وبشكل مبكر ضرورة اغتنام فرصة التوازن الدولي الناشئ وملامحه الأساسية التي تجلت بعمق أزمة النظام الرأسمالي العالمي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وانتفاض روسيا والصين من سباتهما المتوقع.
كما عملت هذه الجبهة من خلال قواها السياسية الفاعلة على الامتثال بتكوين رؤيتها إلى أهم المنجزات الفكرية والمعرفية والسياسية للتراث النضالي لحركة التحرر الثورية بشكل عام والحركة الشيوعية السورية بشكل خاص، ومن هنا كان اكتشافها المبكر للفضاء السياسي الجديد الذي بدأ. يتكون في البلاد مما أرسى نواة حقيقة لمعارضة وطنية مستقلة بالداخل ـ واسعة التمثيل ـ استطاعت أن تساهم. في كبح جماح التدخلات الخارجية في بلادنا وفضح المعارضات الذي ارتهن وجودها بالعامل الخارجي فقط.
كما استطاعت عبر رؤيتها الجديدة بعدم إقصاء أحد. من الاستمرار في نضالها من أجل التغبير الجذري والشامل، والقضاء على الجمود العقائدي الذي أصاب قيادات بعض الأحزاب الوطنية والممثل بالحفاظ على السيئ خوفاً من الأسوأ وذلك عبر اقتناع قواعد تلك الأحزاب بصحة سياسة الأحزاب المكونة لجهة التغبير والتحرير تجاه الأزمة السورية وفي كل مراحلها.
فهؤلاء القادة لم يروا أن هناك شيئاً قد تغير، أو هم لا يريدون أن يروا ذلك، وعلى ما يبدو لا يريدون الاستفاقة من سباتهم الطويل، وبرأيهم أن كل هذا الفضاء السياسي الجديد المتكون وهمي ومصطنع.
لكن فليعلم الجميع بأن فضاءً سياسياً وجديداً قد تكون، وهو ملك كل حزب سياسي أو قوة أو حركة أو شخصية وطنية تملك الرؤية الواقعية للأزمة السورية بمراحلها المختلفة والإرادة الوطنية بدفعتها نحو الإيجابية باتجاه التغيير الجذري والشامل. والخلاص من قوى الفساد والظلام على حد سواء، والتي نعمل في الوقت ذاته على محاربة مفرزاتها السلبية المقيتة التي لا تنتمي إلى أفكارنا وقيمنا السياسية والاجتماعية نحن كمجتمع سوري.
نعم فالفضاء الجديد هو ملك القوى التي سجلت ملاحظاتها على معظم الأهداف التي حققها الحراك الشعبي في بداية الأزمة من إنهاء الأحكام العرفية فالدستور الجديد وقانون الأحزاب وغيرها وبينت وبشكل صريح بأن معيار تحقيق هذه الأهداف يرتبط بمدى القدرة والجدية في تنفيذها على أرض الواقع والفضاء الجديد أيضاً ملك لكل القوى السياسية التي فضحت وتنبهت ومنذ بداية الأزمة في سورية إلى التطرف الذي تجلى بوهمية الثنائية الوهمية كمعارضة ونظام
وللقوى التي رأت بأن الحل الوحيد للأزمة السورية هو سياسي وليس أمنياً. وأن المعركة السياسية هي أصعب من معارك السلاح لكن كلفتها البشرية والمادية أقل بكثير.
والأيام والمراحل التي مرت بها الأزمة أثبتت صحة ذلك داخلياً وخارجياً.
وأخيراً فالفضاء ملك لكل من يرى أن واقعاً جديداً في سورية قد بدأ يتغير، وأن التوازن الدولي أيضاً قد تغيير، وسيصبح لدينا معارضة وطنية متميزة افتقدتها دول كثيرة مرت قبل الأزمة السورية وستستطيع هذه المعارضة بفضائها الجديد كجبهة أن تحدث فرزاً مهماً على صعيد المعارضة والنظام والشارع، وكل الوقائع التي تتلمسها من كل الأطراف تؤكد صحة ذلك، وكل هذا يدفعنا إلى العمل بمزيد من الجرأة والوضوح باتجاه خوض المعركة السياسية المرتقبة، والتي تلبي مصالح الأكثرية الساحقة من أبناء مجتمعنا السوري وصولاً إلى التغبير الجذري والشامل.