افتتاحية قاسيون 625 : الضغط الوطني لإنجاح «جنيف-2»
يشكل مؤتمر «جنيف» القادم مخرجاً لا بديل عنه من الأزمة الوطنية العميقة التي تعيشها سورية منذ أكثر من عامين ونصف. فالحلول التي يتمسك بها متشددو وكبار فاسدي الطرفين، والمتمثلة بحصر الحسم في الميدان فقط، كلٌ من جانبه، ليست حلولاً وإنما استمرار لإحراق سورية من الداخل.
فنوعية المعركة التي يخوضها الجيش العربي السوري، رغم تماسكه وقوته، غير قابلةٍ للحسم ما دامت الحدود مفتوحةً لتسرب المال والسلاح والمسلحين، الأمر الذي يلقي على عاتق الوطنيين السوريين مهمة دعم الجيش ليس من خلال التصفيق والأغاني والمعلقات دون أي جهد سياسي صادق لتثمير نضالاته، بل من خلال الضغط ليس باتجاه استنزافه أكثر بل نحو الحل السياسي الكفيل وحده بإغلاق الحدود، بمعنى إيقاف جميع أشكال التدخل الخارجي، والكفيل أيضاً باستقطاب جزء مهم من المسلحين السوريين للقتال إلى جانب الجيش ضد المسلحين الأجانب. وإن كل كلام خلاف ذلك هو إضرار بسورية وجيشها، وإن كان تحت شعارات الحفاظ عليهما ودعمهما..
وبالمثل تندرج هنا مواصلة بعض المعارضات لبيع وهم «استمرار المعركة حتى التنحي أو الإسقاط»، لتتاجر بدماء السوريين رغم معرفتها باستحالة تحقيق ذلك ضمن التوازن الدولي الراهن..
إن الحديث الدائر عن مساعي الأطراف الدولية الراعية للتأكد من حضور جميع الأطراف، والذي تطور نحو نقاش لشكل ونسب تمثيل الأطراف المختلفة، يتضمن حقيقة أن مسألة انعقاد المؤتمر وحضور معظم الأطراف، إن لم تكن كلها، هي مسألة محسومة ومنتهية، ولكنه يشير من جهة أخرى إلى انتقال الأطراف المتشددة من محاولة منع انعقاد جنيف - بعد يأسهم من ذلك- إلى محاولة إفشاله، الأمر الذي يتطلب أكبر توافق ممكن بين الوطنيين السوريين، بغض النظر عن مواقعهم الحالية، سواء في النظام أو في المعارضة أو في المجتمع، باتجاه العمل على إنجاح جنيف في الوصول إلى مهامه الأساسية الثلاث: (إيقاف كل أشكال التدخل الخارجي، تخفيض العنف باتجاه إيقافه، إطلاق العملية السياسية السلمية)..
إنّ ما ينبغي الانتباه إليه بشدة هو أن «واشنطن» وتحت ضغط التوازن الدولي المتطور والمتحرك لغير مصلحتها، لم تعد قادرة على رفض الحل السياسي، كما لم تعد قادرة على الاستمرار بسيناريو الحل العسكري. فإذا كان الانعطاف من الحل العسكري إلى الحل السياسي هو جوهر جنيف فإنً أفضل ما تستطيع واشنطن تحقيقه هو إطالة هذا الانعطاف وتعقيده، ذلك أن سمة المراحل الانعطافية هي هشاشة وضعف البنية العامة لجميع القوى التي يلوي الانعطاف مساراتها، أي أن الانعطاف الإجباري الذي سيدخله المتشددون بعيداً عن مساراتهم ومواقفهم السابقة سيخلخل بناهم ريثما يستقر الحل السياسي. ولكن إذا كانت إطالة الانعطاف تهدد القوى المتشددة جميعها بمزيد من الضعف، بما يصب في مصلحة المواطن السوري استراتيجياً، إلا أنه في الوقت ذاته يصب مرحلياً في مصلحة الأمريكيين عبر إبقاء مركز ثقل الحل السوري في الخارج. وبالتالي لا ينبغي إبقاء المسألة السورية خاضعةً للتجاذبات الدولية والإقليمية، ودون حسم كما ترغب واشنطن على أمل تحسن وضعها الداخلي والدولي، وفي أسوأ الأحوال بالنسبة إليها على أمل استكمال إحراق البلد، بما لا يسمح لا لسورية ولا للقوى الصاعدة في وجه الإمبريالية الأمريكية بتحقيق نموذج جديد للتغيير الحقيقي في سورية خارجٍ عن سياق النظام الدولي الأحادي المتراجع والآيل إلى السقوط..
إن تفاهماً وتحالفاً وطنياً لإنجاح «جنيف-2» وتذليل العقبات الثانوية التي يضعها المتشددون في طريق ذلك النجاح، هو اليوم ضرورة قصوى يجب بذل كل ما يلزم لتحقيقها.