الاستفتاء الكردي... نعي ديمقراطية المحاصصة
إن النخب العراقية التي وصل الخلاف بينها إلى احتمال الانفجار، في ظل إصرار بعض النخب الكردية على إجراء الاستفتاء، وردود أفعال بعض النخب الأخرى، هي عينها ذاك الكوكتيل القومي الطائفي الذي تمَّ توكيله أمريكياً بإدارة العراق بعد سقوط النظام الديكتاتوري، وهم بالذات من تم تقديمهم إلى الرأي العام على أنهم المبشرين بالديمقراطية وحقوق الانسان، والحوار والرأي الآخر، وسيحولون العراق إلى ألمانيا الشرق، أو اليابان، وهم وكتبتهم وأتباعهم في الثقافة والإعلام من مارس إرهاباً إعلامياً دعائياً ضد كل من شكك بذلك في حينه، وبغض النظر عن بروباغندا كل طرف ضد الآخر، فإن الذي يسقط بالملموس هو نموذج ما سمي في حينه «ديمقراطية المكونات»، والذي يسقط هو احتكار السلطة والثروة، وتقاسمها بين تلك النخب عرباً وكرداً وشيعة وسنة و...
وعلى هذا الأساس، فإن ما يؤكده تطور الأوضاع في العراق، هو أن هذا النموذج «الديمقراطي»، ليس هو البديل المناسب عن الأنظمة الديكتاتورية عندما يستحق التغيير، وأن النموذج الحقيقي هو ليس إسقاط الأنظمة بقوة الخارج، فكما أن الطغاة مهدوا التربة للغزاة، ها هي ديمقراطية المحاصصات تمهد لدورة أزمات جديدة يدفع ثمنها الجميع.
والحال هذه، فإن الذي جرى بمشاركة النخب العراقية «أخوة الأمس أعداء اليوم» هو تبديل مشكلة بمشكلات جديدة، وإعادة إنتاج أزمة نموذج «الدولة الوطنية» التي تشكلت في القرن الماضي وليس حلها، ليتأكد بذلك بأن الخروج من هذا النموذج بإشكالاته الكثيرة، وحتى يكون خروجاً حقيقياً، يجب أن يمر من بوابة الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة، التي تحقق المهام الثلاثة المتكاملة: الوطنية، والاقتصادية الاجتماعية، والديمقراطية، بما فيها حل المسألة القومية الكردية على أساس الاعتراف المتبادل بالحقوق.
وعلى كل حال، فإن أي مبادرة ومن أي طرف كان في الداخل العراقي، أو من الجوار الإقليمي بما يؤدي إلى تصعيد التوتر، ستفتح أبواب الجحيم على الجميع، وكما أن القرارات أحادية الجانب مرفوضة، فإن التوتير المضاد مرفوض بدوره، لأنهما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما صدى ذلك النموذج المفلس في بناء الدول وإجراء التغييرات، الذي كان الجميع شركاء في صنعه، وعليه، فإن إجراء حوار شامل لحل الإشكالات العالقة، هو المدخل الوحيد لمنع تفجير الأوضاع الذي سيكون وبالاً على الجميع، وليس من الصحيح القول بأن الأوضاع وصلت إلى طريق اللاعودة، فالحوار والحلول العقلانية تمتلك حظاً وافراً من النجاح، كونها تعبر عن إرادة الشعب العراقي - بعربه وأكراده وأقلياته القومية- من جهة، و من جهة أخرى تتقاطع مع استراتيجيات القوى الدولية الصاعدة في إشاعة الاستقرار والحلول السلمية لبؤر التوتر، وضمان حقوق الجميع.