عرض العناصر حسب علامة : اليورانيوم

أورويل وحلف الناتو والحرب على ليبيا

في العام 1949، وفي خضمّ حربٍ باردةٍ كان يخشى أن تتحوّل بين لحظةٍ وأخرى إلى محرقةٍ نووية، نشر جورج أورويل أشهر رواياته: 1984. وإذا كان العنوان يصبّ في استشراف المستقبل، فالهدف هو بوضوحٍ الاتحاد السوفييتي، الممثّل بأنه «الأخ الأكبر» الشمولي، الذي يجعل كلّ إمكانية تواصلٍ من دون جدوى، عبر تحوير اللغة وخلق «لغةٍ جديدة»، ينقلب في إطارها كلّ مفهومٍ إلى نقيضه. عبر نشر أورويل روايته في العام نفسه الذي تأسس فيه حلف شمال الأطلسي (الناتوـ وهو المنظمة العسكرية التي زعمت الدفاع عن القضية الأخلاقية وعن الحقيقة، قدّم مساهمته الشجاعة لحملة الغرب. لم يكن بوسعه طبعاً أن يتخيّل بأنّ استنكاره سوف يبدو أكثر راهنيةً بكثيرٍ لوصف الوضع بعد بضع سنواتٍ فقط من العام 1984، مع انتهاء الحرب الباردة وانتصار الولايات المتحدة الأمريكية. يبدو أنّ الغرب، وكذا قوّته العسكرية الفائقة وقوّته الإعلامية الفائقة، لم يلاقِ عقبةً أمامه: يأتي قلب الحقائق ليفرض نفسه عبر قصفٍ إعلاميٍّ مستمرٍّ ومسيطر، وهو قصفٌ طابعه شموليٌّ بالمطلق. هذا ما يظهر بوضوحٍ من الحرب الجارية في ليبيا.

بين «هيروشيما» و«البصرة»..

احتضنت الأم طفلها بشدة، حاولت أن تضمه إلى صدرها على الرغم من الأنابيب الكثيرة التي تحيط بجسده، لم تقو عيناها على تصديق ما يحدث، كيف يمكن لصبيها الجميل أن يتحول في غضون أيام إلى هذا الجسد النحيل الهش الملقى هنا، اختنقت الدموع في حلقها فتنهدت بحرقة وهي تستمع إلى تشخيص الطبيب: « لن يعيش ابنك طويلا يا حجة.. ودعيه وخففي عنه ألمه.. وجدنا فيه نسباً مرتفعة من التلوث الاشعاعي.. حالك كحال الكثيرين هنا في البصرة يا خالة.. فليكن الله في عونك..» التفتت الأم إلى الفتاة «الغريبة» التي لم تفارقها منذ إدخال ابنها إلى هذا المستشفى، أطرقت الفتاة إلى الأرض وهي لا تدري ما تقول، نهضت بصمت والتقطت بعض الصور للصغير الممدد على السرير، إنها الناشطة اليابانية «هاروكو موريكاتي» ، وهي ليست بـ«الغريبة» أبداً عما يجري هنا.

«جيناكم.. باليورانيوم..!!»

صور الدمار بدأت بالانتشار في كل مكان، جماعات من البرابرة بدأت تجتاح المدن العراقية لتدمر وتقتل كل ما تراه أمامها، هو حقد أعمى تغذيه رواسب جاهلية بقيت حاضرة بين النفوس تذكي نارها عداوات الجيران وحسابات الماضي البعيد، عادت صور العراق إلى الواجهة اليوم والصدمة بادية على الوجوه، وسرعان ما تنادت الجموع لنجدة الآلاف من العراقيين بين جرحى ومهجرين من النساء والأطفال والشيوخ،