افتتاحية قاسيون 671: أوباما و«الأربعين حرامي»..!
ساعات قليلة فصلت بين خطاب أوباما المقتضب، معلناً فيه استراتيجيته رباعية النقاط لـ«محاربة داعش»، واجتماع جدة الذي حضره وزير خارجيته جون كيري الخميس الماضي، لتعلن الولايات المتحدة عن قيام «تحالف دولي» لهذه المحاربة، ضمّ إلى جانبها لصوصاً من مستويات متفاوتة الوزن والتأثير، ليصل المجموع إلى أكثر من أربعين دولة حسب ما صرح به الأمريكيون، علماً أنّ قائمة الدول المعلنة ضمن الحلف لم تتجاوز 26 دولة.
إنّ نظرة متأنية إلى تركيبة «التحالف» وتوقيته، تسمح بجملة من الاستنتاجات:
أولاً، إنّ استبعاد روسيا والصين وحلفائهما من التحالف، هو إبعاد لجزء أساسي من المجتمع الدولي الذي اتخذ القرار 2170 بالتوافق. وهو ما يعيد التأكيد على عدم جدّية واشنطن في محاربة الإرهاب، وما يعني أيضاً أنّ لهذا التحالف غايات وأهدافاً أخرى لا تتعلق بالموضوع المذكور، بل برسم خرائط جديدة لمنطقة شرق المتوسط عبر إشاعة مستوىً عالٍ من الفوضى في كامل أرجائها، وليس في منطقة الانتشار الحالي لـ«داعش» فقط.
ثانياً، إنّ غياب إيران ومصر عن هذا التحالف يكرّس هشاشته، ويعزز احتمالات فشله، لا في محاربة داعش، فهذا آخر ما يفكر فيه الأمريكيون، بل في تحقيق مستوى الفوضى التي يسعى إليها.
ثالثاً، إنّ تزامن إعلان التحالف مع فرض عقوبات أوروبية جديدة على روسيا، أي تزامنه مع تعقد الأزمة الأوكرانية مجدداً، بعد أن لاحت مؤشرات تهدئتها، يكشف أنّ «واشنطن» لم تقتنع بعد بتراجعها ولم تقر به، ولا تزال تعمل ضمن عقلية توسيع خارطة الحريق وتعميقه هرباً من الحلول السياسية التي ستظهر مقدار التغير الكبير الحاصل في التوازن الدولي لغير مصلحتها. وهو ما يشير إلى محاولة مباشرة لنسف احتمالات الحل السياسي في سورية.
رابعاً، ضمن السياق ذاته، فإنّ تزامن الحديث عن حرب على داعش، مع رفع مستوى وعود واشنطن بتسليح ما تسميه بـ«المعارضة المعتدلة» في سورية بذريعة انخراط هذه الأخيرة في الحرب على داعش، يستهدف إنعاش فكرة «إسقاط النظام» بقوة السلاح، ما يرفع مستوى الصدام ويزيد مستوى العنف، ويملأ الطريق إلى مؤسسة «جنيف- الحل السياسي» بالعوائق والمطبات، ويعيد ضمناً استقطاب الدول الإقليمية ليوقف محاولات تلك الدول البحث عن صياغات تناسب مصالحها الوطنية والإقليمية، لا المصلحة الأمريكية.
إنّ التجارب المريرة لشعوب عديدة مع أمريكا و«محاربتها للإرهاب»، كشعوب اليمن وباكستان والصومال والعراق وأفغانستان، تؤكد أنّ العدوان الأمريكي على سورية- وإن جرى تحت مسمى الحرب على الإرهاب- فإنّه وإلى جانب كونه لن يوجه ضربات جدية لداعش، فاحتمال توجيهه ضربات لمواقع الجيش العربي السوري ولمواقع سورية مختلفة لن يكون احتمالاً قليلاً بل ربما يكون احتمالاً خطيراً وجدياً، يمكن استنباطه من الطبيعة العدوانية المتأصلة لدى الدوائر الأمريكية المتنفذة.
إنّ «داعش» يمثل خطراً حقيقياً يستدعي مواجهته ومكافحته بإطار دولي وإقليمي وسوري واسع يتضمن بالدرجة الأولى رفع مستوى التنسيق والتعاون مع الحلفاء الحقيقيين لسورية والشعب السوري، للعمل سويةً في جميع المسارات الكفيلة بردع وإفشال المخططات الأمريكية في سورية والمنطقة، إذ لا يمكن قيام مكافحة جدية للإرهاب في سورية والمنطقة مالم تقترن بإطلاق جدي وصادق للعملية السياسية ومسار الحل السياسي للأزمة السورية الكفيل بتحشيد وتجميع القوى الشعبية الحقيقية القادرة على إنهاء داعش ومثيلاتها، وإيقاف الحريق والاستنزاف السوري المدمر.