افتتاحية قاسيون 667: التجميع مقابل التخندقات الأمريكية..
يمكن لمن تابع ويتابع التحولات الإقليمية والدولية خلال الأعوام القليلة الماضية، وتحديداً منذ بداية ما سمي «الربيع العربي» الذي عبّر عن أزمة مركبة، محلية للدول التي حلّ فيها، ودولية للمنظومة الرأسمالية ككل.
أن يرصد تتابعاً واهتزازاً بين شكلين أساسيين للصراع على المستوى الدولي، بتجليه الأبرز بين المنظومة الغربية الأمريكية من جهة، ومنظومة «بريكس»، من جهة أخرى، حيث تراوح الأوضاع بين خطين، الأول هو خط الإحراق والصراعات العنيفة الواسعة، والثاني هو خط الحلول السياسية والتهدئة
وضمن كل نوبة من نوبات الصراع تعمل القوتان الدوليتان الأساسيتان بطريقتين متناقضتين، فـ«بريكس» تعمل على التجميع وكسر التخندقات الحادة التي تعمل على تجذيرها، في المقابل، المنظومة الغربية وتستخدمها للإجهاز على نوبات الحلول السياسية، ولإبقاء عملية الإحراق مستمرة ومتصاعدة. بما يعني أنّ التوازن الدولي الجديد يعبر عن تطوره الملموس يوماً وراء آخر من خلال شكل اصطفاف القوى الإقليمية والمحلية الذي يعاد تشكيله باستمرار ليتناسب مع هذا التوازن أكثر فأكثر.
ويمكن للمتابع أن يرصد أيضاً، إضافة إلى تسارع هذه الموجات- بمعنى تقلص زمنها- يمكن له أن يلاحظ أنّ كل موجة جديدة من الحلول السياسية تساهم في ترجمة وإيضاحٍ إضافيين لميزان القوى الدولي الجديد في غير المصلحة الأمريكية- الصهيونية. وتدل العديد من المؤشرات الحالية أنّ المنطقة الآن والعالم بأكمله، على عتبة الدخول في موجة جديدة من هذه الحلول السياسية بعد أن توقفت آخر موجة من هذا النوع، والتي تضمنت كلاً من «جنيف السوري» و«جنيف الإيراني».
حالياً، وفي سياق المؤشرات أيضاً على كسر شكل التخندقات والاستعصاءات السابقة، يمكن الانتباه إلى حصول توافق واسع، دولياً وإقليمياً، في المسألة العراقية ارتباطاً بموضوع الإقرار بضرورة وجود حكومة جديدة، بمعنى وضع مسألة مكافحة الإرهاب هناك على جدول الأعمال، وذلك من وجهة نظر روسيا وحلفائها، وكذلك الأمر مع احتواء انتشار الإرهاب من منطقة عرسال بلبنان، والذي سينعكس قريباً فيما يبدو في حل مشكلات عالقة هناك، كمسألة رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة.
بالتوازي مع ذلك، ورغم التصعيد الهائل للتوتر حول المسألة الأوكرانية خلال الشهر الماضي، إلّا أنّ التصريحات الأمريكية والروسية الأخيرة تشير إلى التوافق على ضرورة التهدئة، خاصة بعد أن طعنت واشنطن حلفاءها الأوروبيين في قضية العقوبات الاقتصادية على روسيا، حيث ورطتهم في هذه العقوبات ونتائجها الصعبة على اقتصاداتهم المأزومة، وتركت لواحدة من أكبر شركاتها النفطية أن تستمر في التعاقد مع روسيا والعمل فيها. يضاف إلى هذه المؤشرات ارتفاع مستوى التوافق الدولي حول محاربة الإرهاب وظهور ملامح «إرادة موحدة» في مجلس الأمن في هذه القضية بعد فترة طويلة من تعطله تحت وطأة محاولات التسويف والابتزاز الأمريكيين. ويمكن أيضاً رصد مفصل هام ضمن اصطفاف القوى على المستوى الإقليمي والدولي، ففي هذا المقطع من عملية ترجمة التوازن الدولي الجديد، يشتد الصراع على مصر التي سيكون مضمون وطبيعة خياراتها في القضايا الوطنية والاقتصادية الاجتماعية وقائع مفصلية ومؤثرة- حسب شحنتها- على المستويات كافة، مصرياً وإقليمياً ودولياً.
إنّ مجمل المؤشرات والوقائع، تؤكد بداية تشكل المقدمات الضرورية لفتح أفق طور جديد من الحلول السياسية، أكثر جدية من سابقه. وسورية ليست استثناءً من هذه المعادلة، ما يستلزم العمل الجاد على تجميع القوى الوطنية وصقل برامجها المتكاملة تحضيراً للمرحلة المقبلة. كما يستوجب توسيع زاوية النظر من حدودها المرتبطة بوضع المواجهات الميدانية، لتشمل الإجراءات السياسية والاقتصادية، بما يخدم المصالح العميقة للشعب السوري واستنهاض قواه وتجميعها في مواجهة الاستحقاقات القائمة، وعلى رأسها التغيير الجذري الشامل، ومحاربة الإرهاب، اللذان يخدم كل منهما الآخر، ولا يمكن تحقيق أي تقدم على مسار أحدهما، دون التقدم على المسار الآخر.