العامل في أغنى بلد في العالم... دون إجازة مرضية!

العامل في أغنى بلد في العالم... دون إجازة مرضية!

ربما تكون الولايات المتحدة هي المكان (الأعنف عبر العالم)... فبالمقارنة بحجم الثروة والمال الذي يغمر النظام الأمريكي فإننا مع كل تدقيق نكتشف أن أبسط الحقوق الإنسانية غير مضمونة ومتروكة للسوق، وتنكشف عورتها في لحظات الأزمات... يشتد النقاش في الولايات المتحدة اليوم على إيجاد قانون (للإجازات المرضية مدفوعة الأجر)، حيث لا يوجد في أغنى بلد في العالم قانون فيدرالي عام يلزم الشركات الأمريكية بإعطاء موظفيها إجازات مدفوعة مقابل تغيبهم المرضي! وقد سنّت أمريكا خلال الأسبوع الماضي قانونها العام الأول في هذا الخصوص، مع الكثير من الثغرات... إذ أصبح من الممكن للعامل الأمريكي أن يحصل على أسبوعين إجازة مرضية مدفوعة بنسبة 100% من أجره، ومن الممكن أن تصل مدّة الإجازة إلى 12 أسبوع بمبلغ أقل ووفقاً للحالة، وذلك فقط للمصابين بفيروس كورونا أو من يرعون أحد أفراد أسرتهم بما يرتبط بالمرض، أي أن القانون مرتبط بالمرحلة الحالية وبحالة الطوارئ المتعلقة بفايروس كورونا.

الثغرة الأهم في القانون الجديد، أنه أبقى على قرابة 20 مليون عامل أمريكي دون ضمان مدفوعات مرضيّة إذ يترك القانون لصاحب العمل القرار... وذلك في الشركات الصغرى التي تضم أقل من 50 عامل، وما إجماله 12.8 مليون عامل، حيث يحقّ لمالك الشركة ألّا يعطي العامل هذه الإجازة المدفوعة إذا ما ارتأى أن مدفوعات الإجازة قد تزيد احتمال توقف الشركة. كما أن حوالي 6-7 مليون في الشركات الكبرى التي تضم أكثر من 500 عامل لم يشملهم الإلزام القانوني المذكور، وتُرك الأمر لهذه الشركات التي لديها نظم خاصة للتعويضات ولا يوجد إلزام قانوني عام لها.

وللمقارنة فإن جميع دول الاتحاد الأوروبي تضع قانوناً عاماً للإجازات المرضية، في ألمانيا مثلاً القانون العام يشير إلى أن العامل بعد أربعة أشهر من عمله في الشركة يستطيع أن يحصل على إجازة مرضية مدفوعة الأجر لمدة شهر ونصف بنسبة 70% من راتبه المعتاد، وبعد هذه الفترة يتكفل صندوق الضمان الصحي بدفع مستحقات العامل المريض لمدة قد تصل إلى 3 سنوات في حال استمرار المرض ذاته.

والمفارقة الأكبر هي في الصين حيث دخل الفرد السنوي أقل من الدخل الوسطي للفرد في الولايات المتحدة بـ 6 مرات، وأقل من دخل الفرد الألماني بـ 5 مرات... ولكن قوانينها العامة وقوانين المقاطعات تضمن للعمال إجازات مرضية تتراوح مددها بين 3 أشهر وصولاً إلى عامين، وتختلف الرواتب المدفوعة للعمال المرضى ولكنها لا تقل عن 60% من الأجر وتصل إلى 100% بناء على مدة عمل العامل في الشركة وعدد سنوات خبرته الإجمالية وعمره...

إن مستوى المفارقات في الولايات المتحدة غير مسبوق، حيث قوانين النيوليبرالية في أعنف أشكالها وتضع الثراء الهائل والسطوة والقوة في وجه انعدام أدنى الضمانات الموجودة في أي بلد "متخلف" (على الأقل ضمن القوانين)... لدرجة أن الإجازة المرضية تترك لوجهة نظر رب العمل، ولا يتم الإلزام بها إلا بحالة الطورائ ومع الكثير من الاستثناءات!