افتتاحية قاسيون 632: أجواء ما قبل جنيف
تنشر وسائل إعلامية متعددة، ومختلفة بالولاء السياسي، منذ بضعة أسابيع وحتى اليوم، وبشكل متزايد، جملة من «التسريبات» والتلفيقات والإشاعات حول شكل الحضور في مؤتمر جنيف وحول مضامينه ووثائقه
ويأتي ذلك فيما يبدو ضمن محاولات مستمرة للضغط المسبق على نتائج المؤتمر من جهة، وللتقليل مسبقاً أيضاً من وزنه وأهميته من جهة أخرى. وتتوافق هذه الوسائل الإعلامية ومن وراءها- رغم اختلافهم- في محاولة الإساءة، كل من منظوره وبطريقته، إلى مؤتمر جنيف بتصويره مؤامرة على السوريين يجري التوافق عليها وصياغتها بين مختلف الأطراف الدولية والإقليمية والداخلية.. الخ.
لكن بدراسة مجمل «التسريبات» والإشاعات والتلفيقات التي يجري بثها يومياً بالتوازي مع تصاعد العنف والإرهاب والأعمال المسلحة في سورية، تتأكد مجدداً ثلاث حقائق أساسية هي:
الأولى: إن إقحام السلاح والتسلح ضمن الحركة الشعبية السلمية، إذ أكسب التدخلات الخارجية والعنف والعمل المسلح وزناً سياسياً عالياً في القضية السورية، فإنّ الانتقال باتجاه الحل السياسي سرعان ما سيخفض ذلك الوزن باتجاه نزعه نهائياً في نهاية المطاف، وخاصةً مع وصول العنف والأعمال المسلحة إلى ذروتها القصوى منذ فترة ليست بالقليلة دون أن تحقق أياً من الأهداف التي طرحها أصحابها. وبكلامٍ آخر، فإن اقتراب جنيف2 يعني ضمناً، تقهقر الوزن السياسي المستند إلى قوة السلاح وقوة التدخلات الخارجية لمصلحة الوزن السياسي المكتسب شعبياً بناءً على برامج سياسية متكاملة تقدمها القوى الداخلية المختلفة أمام السوريين، وهو ما يعني أيضاً أنه لم يعد ممكناً تجاهل أو إقصاء أنصار الحل السياسي السلمي الذي تثبت الوقائع صوابيته وعدم وجود أية بدائل أخرى له..
الثانية: إن ارتفاع وتائر العنف والعمل المسلح في الآونة الأخيرة يهدف إلى أمرين: الأول هو الحفاظ على التوازن القائم مع محاولات لكسره جزئياً، والثاني هو تسجيل أكبر قدر من النقاط باستخدام السلاح ضمن الوقت المتبقي ما قبل جنيف، باعتبار أن للعنف وللعمل المسلح وزناً سياسياً حالياً سرعان ما سيخسرانه مع بدء العملية السياسية.. وفي هذا السياق فإن إعادة ترتيب الأطراف المسلحة ضمن تركيبات وتشكيلات جديدة لا يعدو كونه محاولة للاستفادة مما تبقى من وزن سياسي للسلاح عبر تركيز ذلك الوزن ضمن تشكيل أو مجموعة من التشكيلات المحددة، الأمر الذي لا يلغي الحقيقة الأولى، وهي التراجع العام لوزن السلاح، بل يؤكّدها..
والحقيقة الثالثة هي أن الحل السياسي بوصفه مخرجاً وحيداً من الأزمة الوطنية العميقة، يعني في جوهره تظهير ميزان القوى الداخلية الحقيقي الذي يحجبه حتى الآن صوت الرصاص والتدخلات الخارجية، ذلك أن الحل السياسي استناداً لمؤتمر جنيف-2 الذي يستند بدوره إلى التوازن الدولي والإقليمي والداخلي الحالي الذي يتراجع ضمنه الوزن الأمريكي باضطراد، يعني وقف عاملي التدخلات الخارجية ووقف العنف بالتزامن مع إطلاق عملية سياسية لن تستطيع في ظل الشرطين السابقين إلا أن ترفع إلى واجهة الأحداث الأوزان الداخلية الحقيقية للقوى والاتجاهات السياسية السورية، أي بما تمثله مما بات إرادة جامعة لدى عموم السوريين باتجاه نبذ العاملين المذكورين والخلاص منهما، بهدف التمهيد لمنع إعادة إنتاج الأزمة، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً، وليس الخروج المؤقت منها.