افتتاحية قاسيون 788: حلب: كلام آخر
استغرق الأمر بضعة أيام فقط لتظهر تجليات ما ذهبت إليه «قاسيون» في افتتاحيتها الماضية حول حلب ومجرياتها، وارتباطها بالحل السياسي للأزمة السورية، على أساس القرارات الدولية، وفي مقدمتها 2254. فها هو الهرع الأمريكي والدولي للبحث عن اتصالات وتفاهمات مع الروس يتواتر لحظياً، بحكم أن معركة حلب باتت بحكم المنتهية، سواء باتفاق أم بدونه، وبحكم أنها ليست «حدثاً» سورياً، ولا هي «مواجهة عسكرية صرفة»، بمقدار ما هي على التوازي تظهير لميزان القوى الدولي، المتغير والجديد، سياسياً وعسكرياً وإعلامياً.
بالملموس، وعلى المستوى الأول، فإن أهم ما يعني عموم السوريين من انتهاء معركة حلب هما أمران رئيسيان، أولهما: تخفيف بعضاً من قساوة المعاناة المباشرة عن أعداد من السوريين، وثانيهما: بدء استعادة سيادة الدولة السورية، والتشديد هنا هو على سيادة الدولة السورية كدولة، من حيث المبدأ، أي بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم، والموقف منه، أو كيف سيكون شكل النظام اللاحق الناجم بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، على أساس توافقات السوريين فيما بينهم، حسبما تنص القرارات والبيانات الدولية كلها.
وعلى المستوى الثاني، فإن انتهاء معركة رئيسية مثل معركة حلب، بموقعها المفتاحي وامتدادها الزمني، يعني فتح الباب عملياً نحو الحل السياسي لمجمل الأزمة السورية. ومن استمع أو قرأ تصريحات المبعوث الدولي إلى سورية حول «أن الأطراف جميعها باتت تدرك أنه آن الأوان لاستئناف المفاوضات السورية- السورية» يحق له أن يتساءل «شو عدا ما بدا»..!
أي ما الذي استجد لكي يدلي السيد دي ميستورا بتصريح كهذا؟! أو ما الذي يدفع بـ«الأمريكي» لاستئناف مباحثات خبراءه مع نظرائهم الروس في جنيف، وما الذي يدفع بـ«الروسي» للحديث عن احتمال وقوع مفاجآت في هذه الاجتماعات، بالمعنى الإيجابي؟!
في الأحوال كلها، وعلى المستوى الثالث، وبالعمق، فإن ما ينبغي تثبيته مجدداً هو أن الحل السياسي، على أساس جنيف1، والقرار 2254، وما بينهما، يبقى هو السلاح الأنجع لتحقيق سلة متكاملة من الأهداف: وقف العنف وإنهاء الكارثة الإنسانية السورية بملفاتها العديدة المختلفة، وقف التدخل الخارجي، فتح أفق التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياً- اجتماعياً، إعادة توحيد السوريين في القضاء على الإرهاب والإرهابيين، الحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً، واستعادة الدولة لسيادتها كاملة.
وبالعمق أكثر، فإن نجاح الحل السوري، بهذه المعاني والأشكال والأهداف، سيندرج في سياق مختلف كلياً عن منطقيّ «الحسم والإسقاط» كليهما، وبذلك سيكون تعبيراً عن النموذج الجديد، في الحلول الدولية للنزاعات المحلية ذات التداخلات الإقليمية والدولية المتفاقمة، على اعتبار أن النماذج الأمريكية- الغربية السابقة كانت تجري على أساس قيام تدخلات عسكرية خارجية مباشرة، تتولى تنصيب نظم تابعة وبنى هشّة متحركة، تتولى تلقائياً إنتاج بؤر الإرهاب وقواه، وهي النماذج التي لا تتلاقى مع المصالح العميقة للشعب السوري.