افتتاحية قاسيون774:«الغالب والمغلوب»  في المراحل الانعطافية

افتتاحية قاسيون774:«الغالب والمغلوب» في المراحل الانعطافية

مع استكمال دخول العالم برمته مراحله الانعطافية، لجهة تثبيت ومواصلة ترجمة موازان القوى الدولية الجديدة، في غير مصلحة المراكز الامبريالية الغربية، ولاسيما في واشنطن، يظهر واضحاً أن عملية الانزياح التدريجي هذه بحد ذاتها لا تسمح بالفوز بالضربات القاضية وإنما بالنقاط، تماماً كما هي الحال مثلاً مع ثبوت استحالة تحقيق شعاري «الحسم والإسقاط» في سورية كانعكاس لمفهوم الضربات القاضية.

 

 

غير أن اللافت في المشهدين الدولي والإقليمي هو أن عجز واشنطن عن فرض حلولها التقليدية التي اعتادت من خلالها على تصدير أزمتها الرأسمالية الامبريالية الخانقة عبر استدامة الاشتباكات وتعقيد الملفات في البلدان المستهدفة من قبلها بات يوحي من خلال ظهور قوى دولية أخرى تجد في مصلحتها إطفاء الحرائق الأمريكية بأن عمليات حلحلة الأزمات والملفات تشابه بعضها بعضاً، أي أنه كلما اقتربت القضية/ الأزمة المعنية من نهاياتها الموضوعية برزت حالات الترقب القصوى والمخاوف من العودة إلى ما هو أسوأ من مربعات انفجارها الأولي، وازدادت المماحكات والعنعنات والممانعات من مختلف القوى والأطراف والبلدان التي تجد في استمرار الأزمة حبلاً سرياً للنجاة والاستمرار على حساب دماء ومعاناة الشعوب المعنية.

بهذا المعنى، وعلى اعتبار أن مجريات الأزمة السورية هي في جزء أساسي منها اشتقاق وامتداد لجملة عوامل متناقضة ومتداخلة من بينها الأزمة الرأسمالية المركزية ذاتها، والتحول في ميزان القوى الدولي، والمنطق الداخلي لعملية الانزياح، فإن موازين القوى العالمية والإقليمية والمحلية لا تسمح بالضربات القاضية، لا للمنطق الحسم الميداني العسكري- وهو ما أثبتته مجريات الأزمة السورية ذاتها، ولا للنتائج المحققة كلياً ودفعة واحدة للحل السياسي المرتقب لها.

وبكلام آخر، فإن حتى الحل السياسي للأزمة السورية بصفته نبذاً لمنطق عسكرة الصراع سيفرض نفسه بالنقاط، ولكنه يفرض نفسه تباعاً وبقوة في الأحوال كلها. 

ما يهم تثبيته سورياً الآن في ضوء سمات المراحل الانعطافية هذه هو ماذا يعني بدء الحل السياسي للأزمة السورية- ولو بالنقاط- من وجهة نظر «الغالب» و«المغلوب» التي عملت عليها جوقات إعلامية كاملة بقضها وقضيضها على حساب استمرار نزيف الدم السوري؟ 

إنه يعني أن «لا غالب» و«لا مغلوب» عملياً فيما بين السوريين أنفسهم..! بل إن السوريين كلهم غالبون، ولا يوجد مغلوب سوى أعداء سورية ووحدتها أرضاً وشعباً وسيادتها، بغض النظر عن جنسياتهم، حتى ولو كانت سورية على الورق..! وبطبيعة الحال، فإن هذا المسار سيمر عبر تنازلات متبادلة، وقد تكون مؤلمة أحياناً، ولكن لا ضير فيها طالما كانت تقدم في سبيل حقن دماء السوريين وتوحيد جهودهم في وجه الإرهاب الغريب عن بنيتهم الحضارية، وفي سبيل استعادة سورية لسيادتها على أراضيها كاملة، بما فيها المحتل والسليب، وقبل هذا وذاك إطلاق عملية التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل على الصعد كافة، أي الربط الفعلي بين كرامة الوطن وكرامة المواطن بلقمته وكلمته ومساواته. وليجب حينها الاستعراضيون الشعب السوري: من الغالب؟ ومن المغلوب؟