بوتين: سنقف في وجه التحديات ولن نتراجع عن موقفنا من الأزمة الأوكرانية
شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رسالته السنوية إلى الجمعية الاتحادية على أن عودة القرم إلى حضن روسيا هذا العام كان حدثا تاريخيا.
وقال بوتين في الرسالة التي وجهها الخميس 4 ديسمبر/كانون الأول إن القرم وسيفاستوبل يتسمان "بأهمية حضارية ومقدسة كبرى، مثل الحرم القدسي للمسلمين واليهود. وهذا سيكون موقفنا من الآن فصاعدا".
وأضاف الرئيس أن روسيا مرت في هذا العام باختبارات لا يمكن أن تتحملها إلا أمة قوية وموحدة، ودولة قوية ذات سيادة حقيقية. وقال إن روسيا اثبتت قدرتها على حماية أبناء الشعب والدفاع عن الحقيقة والعدالة.
وفي معرض حديثه عن العقوبات التي تم فرضها على روسيا في أعقاب انضمام القرم إليها، قال بوتين إن ذلك لم يكن رد فعل الغرب على الموقف الروسي من الأحداث الأوكرانية، وإنما محاولة لردع روسيا على خلفية تنامي قدراتها. وأعرب عن رأيه قائلا إنه لو لا القرم، لكانت لدى الغرب ذرائع أخرى للقيام بمثل هذه الخطوات.
وتطرق بوتين إلى الأزمة الأوكرانية، مؤكدا أن روسيا ستحترم دائما سيادة أوكرانيا، ومشيرا إلى أن الشعب الأوكراني شعب شقيق بالنسبة للروس.
وتابع الرئيس قائلا: "نعم، ندين الانقلاب واغتصاب السلطة بالقوة الذي حدث في فبراير/شباط الماضي في كييف. وما نراه في أوكرانيا اليوم، هذه المأساة في جنوب شرق البلاد، تؤكد صواب موقفنا بالكامل".
وشدد على أنه لا يمكن دعم أعمال العنف والقتل التي عقبت الانقلاب، ومأساة أوديسا حيث احترق الناس أحياء، ومحاولات قمع سكان شرق أوكرانيا الرافضين لهذا التعسف، بالقوة العسكرية. وأضاف أن كل ذلك جرى وسط أحاديث منافقة عن حماية القانون الدولي وحقوق الانسان.
ولفت الرئيس بوتين إلى ضرورة دعم الاقتصاد الأوكراني في الفترة الحالية. وقال: "وما يجب القيام به الآن هو ليس الدخول في الألاعيب السياسية وإعطاء وعود فارغة، بل تقديم الدعم للاقتصاد الأوكراني لإجراء الإصلاحات. لكنني لا أرى أي رغبة لدى شركائنا الغربيين في القيام بذلك، كما لا أرى أي رغبة لدى سلطات كييف في حل مشاكل المواطنين".
وأكد الرئيس بوتين أن روسيا لن تخضع لضغوط الغرب فيما يتعلق بالوضع في أوكرانيا. وأشار إلى أن "الأصدقاء الأمريكان" يؤثرون على علاقات روسيا مع جيرانها دائما، إما بشكل مباشر أو من وراء الكواليس. وأضاف: "نحن لا نعرف في بعض الأحيان مع من يجب أن نتحادث: مع حكومات الدول أو مع رعاتها الأمريكان بشكل مباشر".
وأكد الرئيس بوتين أن روسيا لن تسير أبدا "في طريق الانعزال وكراهية الغرباء والشبهات (تجاه الآخرين) والبحث عن الأعداء"، مشيرا إلى أن ذلك "من مظاهر الضعف، ونحن أقوياء ونثق بأنفسنا. وهدفنا إيجاد أكبر عدد ممكن من الشركاء المتكافئين في الغرب والشرق على حد سواء".
وأكد بوتين أن روسيا ستوسع حضورها في المناطق التي تتنامى فيها عمليات التكامل، والتي لا تتداخل فيها الشؤون السياسية والاقتصادية.
وتابع قائلا: "ونحن لا ننوي في أي حال من الأحوال قطع علاقاتنا مع أوروبا وأمريكا، وفي الوقت نفسه سنستعيد وسنعزز علاقاتنا التقليدية مع أمريكا الجنوبية وسنواصل التعاون مع إفريقيا وبلدان الشرق الأوسط".
وأضاف أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تشهد تطورا سريعا في العقود الأخيرة، وأن روسيا باعتبارها دولة عظمى في منطقة المحيط الهادئ ستستفيد من الإمكانيات الهائلة المتوفرة هناك.
وأعلن بوتين أنه لن يتمكن أحد من تحقيق التفوق العسكري على روسيا، مؤكدا أن الجيش الروسي حديث، وذو قدرات قتالية. وتابع: "لدينا ما يكفي من القوة والإرادة والشجاعة لحماية حريتنا".
وأضاف أن روسيا ستدافع عن التعددية في العالم وستنقل الحقيقة إلى الناس في الخارج. كما ستقوم بتفعيل الاتصالات العملية والإنسانية والعلمية والتعليمية والثقافية، وذلك حتى في هذه الظروف حين تحاول فيها حكومات بعض الدول إقامة ما يشبه "ستارا حديديا جديدا" حول روسيا.
وأشار بوتين إلى أنه على الرغم من انفتاح روسيا غير المسبوق، كان خطر تقسيم روسيا حسب السيناريو اليوغسلافي بكل ما يترتب عليه من عواقب مأسوية قائما، حيث كان هناك حراك انفصالي مدعوم من الخارج إعلاميا وسياسيا وماليا وعبر قنوات المخابرات.
لكن تقسيم روسيا لم يتحقق. وقال بوتين: "نحن لم نسمح بذلك. كما لم ينجح في ذلك هتلر الذي كان ينوي، بناء على فكر كراهية الإنسان، تدمير روسيا وطردنا إلى ما وراء الأورال".
وتابع الرئيس قائلا: "وعلى الجميع أن يتذكروا كيف تنتهي مثل هذه الأمور... دحر جيشنا العدو وحرر أوروبا، لكن علينا ألا ننسى الهزائم المؤلمة التي لحقت بنا في 1941 و1942، كي لا نكرر الأخطاء في المستقبل".
وتناول الرئيس الروسي في رسالته موضوع منظومة الدرع الصاروخية التي تقيمها الولايات المتحدة في أوروبا. وقال بوتين إن هذه المنظومة لا تهدد أمن روسيا فحسب، بل والعالم كله، حيث ينطوي الأمر على خطر الإخلال بالتوازن الاستراتيجي في العالم.
وأشار إلى أن ذلك يهدد الولايات المتحدة نفسها، لأنه يخلق وهما خطيرا لدى واشنطن بأنها في أمان مطلق، ويدفع بها نحو قرارات أحادية الجانب وغير مدروسة.
وأكد بوتين أن روسيا لن تنجر إلى سباق تسلح غالي الثمن، لكنها ستكون قادرة على ضمان أمنها في ظل الظروف الجديدة.