كتابٌ يفضح جامعات الاحتلال كمصانع لعُقولٍ فاشيّة

كتابٌ يفضح جامعات الاحتلال كمصانع لعُقولٍ فاشيّة

يُعدّ كتاب «أبراج من العاج والفولاذ: كيف تنكر الجامعات الإسرائيلية حرية الفلسطينيين» الصادر عام 2024، دراسةً توثيقيةً تكشف التواطؤ الممنهج للجامعات ومراكز الأبحاث «الإسرائيلية» في دعم الاحتلال وانتهاك الحقوق الفلسطينية. وتكمن أهميته في أنّ مؤلّفته، مايا ويند، شاهدة عيان لأنها «إسرائيلية» يهودية، وتفضح تفاصيل عن كيفية تشكيل هذه المؤسسات ركيزةً أساسيةً في ترسيخ المشروع الصهيوني، منذ تأسيس كيان الاحتلال والإبادة عام 1948 وحتى حربه على غزة اليوم. نقدم في هذا المقال تلخيصاً (بتصرّف) لبعض ما ورد في الكتاب.

دور الجامعات «الإسرائيلية» في تعزيز الاستعمار وتزوير التاريخ

تعمل الجامعات «الإسرائيلية» كامتدادٍ للمؤسسات العسكرية والأمنية للاحتلال، حيث تُطور أسلحةً وتقنيات مراقبة تُستخدم ضد الفلسطينيين، وشعوب المنطقة. وحتى العلوم الأخرى غير التقنية بشكل مباشرة، مثل علم الآثار يُستخدَم في هذه الجامعات لترويج الأساطير الصهيونية وتبرير احتلال الأراضي عبر حفريات تحاول تزوير التاريخ ومحو الهوية الفلسطينية. وفي الخمسينيات، استخدمت «إسرائيل» علم الآثار لتبرير تدمير مواقع إسلامية ومسيحية، مثل مقبرة المعلا في القدس.

ومن الممارسات سرقة المكتبات والمختبرات، ببعد نكبة 1948، استولت الجامعة العبرية على محتويات مكتبات فلسطينية كاملة، بما في ذلك مكتبات شخصية لعلماء ومثقفين فلسطينيين. ولا تزال هذه الكتب والوثائق محفوظة في أرشيف الجامعة دون إتاحة الوصول لها للباحثين الفلسطينيين. وفي المدارس والجامعات «الإسرائيلية» من المحظور مناقشة النكبة، أيْ طرد الفلسطينيين وقتلهم عام 1948، كما أن مشروع «قانون النكبة» يجرّم إحياء ذكراها.

وتضع جامعات الاحتلال مناهج «تعايش» مزيفة، فعلى سبيل المثالس تروج جامعة حيفا لبرامج «التعايش» التي تقدم الصراع كخلاف بين طرفين متساويين، متنكرة لحقيقة الاحتلال والفصل العنصري. ويقوم معهد «هرتسليا» للأبحاث السياسية بإنتاج دراسات تزعم أن الفلسطينيين «هاجروا» طواعية عام 1948، في محاولة لنفي التطهير العرقي وتزوير التاريخ.

بدورها الدراسات القانونية «الإسرائيلية» تُنتج إطاراً قانونياً لتبرير جرائم الحرب، مثل القتل خارج نطاق القضاء والتعذيب. وما تسمى دراسات الشرق الأوسط في أكاديميات الاحتلال تصوغ برامج لتدريب وحدات الجيش والمخابرات (مثل الشاباك والوحدة 8200) على فهم المجتمعات والدول العربية ليس من أجل «سلامٍ» مزعوم بل لقمعها واختراقها وتفكيكها.

الجامعات والبؤر الاستيطانية

بُنيت جامعات مثل الجامعة العبرية في القدس وجامعة أريئيل في الضفة الغربية على أراضٍ فلسطينية مُصادَرة، لتعزيز «التهويد». كما بنيت جامعة بن غوريون في النقب على أراضي قبائل بدوية فلسطينية طردت قسراً، فيما تستمر الجامعة في تبرير سياسات مصادرة الأراضي.

ومن وظائف جامعات الاحتلال أيضاً السرقة المنظّمة للأدبيات والتراث الفلسطيني، حيث تحتوي مكتبات الجامعات «الإسرائيلية» على آلاف الكتب العربية المُنهوبة من الفلسطينيين بعد النكبة.

وتفرض هذه الجامعات رقابة صارمة على الأكاديميين؛ حيث تحظر الأبحاث التي تنتقد الاحتلال أو النكبة، ويُستبعد الأساتذة والطلاب الذين يتحدّون الرواية الرسمية. ويجري استهداف ممنهج للطلاب الفلسطينيين، حيث يتعرضون للمراقبة والاعتقالات التعسفية، بينما تُلغى فعالياتهم السياسية تحت ذرائع «الأمن القومي».

التعاون المباشر مع الجيش والصناعات العسكرية

تُجري جامعات مثل «تخنيون» ومعهد وايزمان أبحاثاً في الذكاء الاصطناعي والمراقبة الإلكترونية لصالح جيش الاحتلال. على سبيل المثال، طوَّرت جامعة تخنيون أنظمةَ طائرات مسيّرة استُخدمت في قصف غزة. كما تقدم الجامعة العبرية دوراتٍ مخصصةً لوحدة 8200 الاستخباراتية، المسؤولة عن التنصت على الفلسطينيين وعلى شعوب المنطقة وابتزازهم.

استغلال البيئة الفلسطينية لأبحاث غير أخلاقية

تتحدث الكاتبة عن تجارب ميدانية على البشر، حيث تستخدم أبحاث الجامعات «الإسرائيلية» الفلسطينيين كـ«حقل تجارب» دون موافقتهم، مثل اختبارات تأثير القنابل المسيلة للدموع التي يجريها معهد «ديفيدسون» التابع لمعهد وايزمان، الذي تلقّى قصفاً إيرانياً مدمّراً خلال حرب الاثني عشر يومياً). وبشكل عام شبّهت كثير من الانتقادات معهد وايزمان بوحدة التجارب اليابانية الفاشية 731 إبان الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تجري تجارب بيولوجية وجرثومية خطرة على البشر وخاصة من أبناء المناطق التي احتلتها وتعرض بسببها أعداد من أبناء الشعب الصيني لفظائع كبيرة.

كذلك تمارس أكاديميات الاحتلال سرقة الموارد البيئية، حيث تقوم جامعة القدس العبرية بجمع عينات نباتية من الأراضي الفلسطينية وتستغلها تجارياً عبر براءات اختراع، دون أي عائد للفلسطينيين.

تطوير تقنيات القمع والمراقبة

طور باحثون في جامعة تل أبيب أنظمة ذكاء اصطناعي تستخدمها «إسرائيل» لتحليل صور الأقمار الصناعية وتحديد الأبنية الفلسطينية «غير المرخصة» لهدمها. كذلك أجرت جامعة بار إيلان أبحاثاً في التلاعب النفسي حول كيفية التأثير على الرأي العام الفلسطيني عبر وسائل التواصل، فيما يشبه عمليات «غسيل دماغ» جماعي.

اضطهاد الأكاديميين الفلسطينيين والمتعاطفين معهم

تتعاون إدارات الجامعات «الإسرائيلية» مع الشاباك في توظيف طلاب كمخبرين لمراقبة زملائهم الفلسطينيين، حيث يتم تجنيدهم عبر وعود بمنح دراسية أو امتيازات خاصة. وتضع «الجامعات الإسرائيلية» قوائم سوداء للمحاضرين حتى لو كانوا من شخصيات عالمية مرموقة، بحيث تمنعهم من إلقاء محاضرات إذا كانوا من دعاة المقاطعة، كما حدث مع البروفيسور الأمريكي ستيفن هوكينغ عام 2013.

وهناك ممارسات مثل فصل الأساتذة المناهضين للاحتلال، مثل طرد البروفيسور ناديم روحانا من جامعة حيفا عام 2007 بسبب دعمه لمقاومة الاحتلال. كذلك يجري منع عنصري للطلاب من السفر، حيث يُرفض منح طلاب غزة تصاريح للدراسة في الضفة الغربية، بينما يُعتقل طلاب جامعات مثل بيرزيت خلال احتجاجاتهم السلمية. وتستخدم الجامعات كأداة للتمييز العنصري، عبر آليات عديدة، منها حصص قبول غير عادلة، حيث تُخفض نسبة قبول الطلاب الفلسطينيين في جامعات مثل التخنيون، بينما تُمنح أولوية لليهود مما يسمى «أبناء الشتات». ومن مظاهر العنصرية إقصاء اللغة العربية، على الرغم من زعم الكيان أنها «لغة رسمية» في «إسرائيل»، لكن تُدرس معظم المواد بالعبرية فقط ويُمنع استخدام العربية في بعض الكليات. تقوم «إسرائيل» أيضاً باغتيال علماء وأكاديميين فلسطينيين، كما فعلت باغتيال الدكتور فادي البطش عام 2018، وقام طلاب جامعة بيرزيت بإضراب ضد اغتياله واستهداف الأكاديميين الفلسطينيين.

مواقف دولية بين دعم الاحتلال ومقاطعته

هناك شراكات مع جامعات غربية تتعاون مع جامعات «إسرائيلية»، وخاصة كبرى الجامعات الأمريكية (مثل هارفارد وستانفورد) في مشاريع بحثية، دون التطرق لانتهاكات حقوق الإنسان. وحتى الجامعات الأوروبية ورغم الإدانة اللفظية التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي للاستيطان، لكنه ما يزال يُموّل أبحاثاً في جامعات «إسرائيلية» تقع في مستوطنات (مثل جامعة أريئيل). ومع ذلك تصاعدت الحركة الطلابية التقدمية عالمياً تضامناً مع فلسطين وضد الإبادة في غزة وتنامت حركة مقاطعة أكاديمية، فانسحبت جامعات مثل الجامعة الوطنية الأيرلندية من شراكات مع التخنيون بسبب دورها في تعزيز الاحتلال.

ويختتم الكتاب بالتأكيد على أن «إسرائيل» حوّلت التعليم العالي إلى سلاح استعماري، وأن الجامعات «الإسرائيلية» شريكةٌ في جرائم الحرب، وأنّ ما يسمى «الديمقراطية الإسرائيلية» هو زيف وكذب، فهي تقمع حتى اليهود المناهضين للصهيونية. وإنّ الحرية الأكاديمية الحقيقية لن تتحقق إلا بإنهاء الاستعمار الاستيطاني، ويدعو إلى مقاطعة الجامعات «الإسرائيلية» والضغط الدولي لمساءلة «إسرائيل» عن انتهاكاتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1233