تفاقم الجفاف بسورية والعراق وإيران – انعدام استقرار وسوء تعاون
نشرت المجلة المناخية العالمية World Weather Attribution في الثامن من الشهر الجاري، تقريراً عن زيادة شدة الجفاف في سورية والعراق وإيران نتيجة تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري، ربطت فيها تفاقم هذه المشكلة والضغوط الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عنها، بمسؤولية الحروب وعدم الاستقرار في الإقليم، إضافة إلى سوء إدارة المياه في بلدان المنبع والمصب.
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان
أورد التقرير غلافاً له صورة رجل عراقي يقف أمام نهر جافّ بالعراق، تم التقاطها في نوفمبر 2021. حيث قال الرجل للصليب الأحمر “كان هذا النهر خلفي غزيراً لدرجة أنه كان يُستشهد به في القصائد. والآن أصبح مجرَّد خندق...».
منذ شتاء عام 2020 في نصف الكرة الشمالي، عانت منطقة كبيرة في غرب آسيا، تشمل الهلال الخصيب حول نهري الفرات ودجلة وكذلك إيران، من انخفاض هطول الأمطار بشكل استثنائي وارتفاع بدرجات الحرارة. وأدى الجفاف الناتج عن ذلك والذي استمر لمدة 3 سنوات إلى آثار شديدة على الزراعة وتراجعاً بإمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب.
وفي هذه المنطقة القاحلة، يعتمد جزء كبير من السكان على الزراعة البعلية، ولا سيما زراعة القمح وتربية الماشية. وفي حين أنّ هناك تبايناً كبيراً نسبياً في هطول الأمطار من سنة إلى أخرى، إلا أن هذا الجفاف كان ثاني أسوأ الجفاف في السجل المرصود، مدفوعاً بارتفاع درجات الحرارة. وقد جاء ذلك في وقت كانت فيه العوامل الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، بما في ذلك الحرب المستمرة في أوكرانيا وتأثيراتها على أسعار الطاقة والمواد الغذائية، فضلاً عن الصراعات والاضطرابات السياسية، تؤدي إلى تفاقم عواقب الجفاف.
استخدم علماء من إيران وهولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة منشورات محكّمة لتقييم ما إذا كان الجفاف لمدة 3 سنوات قد حدث، وإلى أيّ مدى، وذلك في منطقتين، (1) الهلال الخصيب حول نهري دجلة والفرات، والذي يشمل أجزاء كبيرة من العراق وسورية و(2) إيران.
طرائق وصف الجفاف
الجفاف الجوي يأخذ في الاعتبار قلّة هطول الأمطار فقط، في حين يجمع الجفاف الزراعي بين تقديرات هطول الأمطار والتبخّر. نظراً لأنّ زيادة التبخر بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في تفاقم آثار الجفاف، فإننا نقوم بتقييم الجفاف الزراعي في هذه الدراسة. المتغير الرئيسي المستخدم لتوصيف الجفاف هو ما يسمى «مؤشر التبخر والنتح الموحّد لهطول الأمطار» (SPEI) الذي يحسب الفرق بين هطول الأمطار والتبخر والنتح المحتمل لتقدير المياه المتاحة. وكلما كانت القيم سلبية، كلما زاد تصنيف الجفاف. تمت دراسة SPEI لمدة 36 شهراً من يوليو 2020 حتى يونيو 2023 في منطقتي الدراسة.
دور الحروب وعدم الاستقرار
يؤثر الجفاف على منطقة ذات سكان معرَّضين بشدة للخطر بسبب درجات متفاوتة من الهشاشة والصراع بما في ذلك الحرب والمرحلة الانتقالية بعد الحرب، والتوسع الحضري السريع في مواجهة القدرات التقنية المحدودة، وعدم الاستقرار الإقليمي. وزادت هذه الديناميات من التعرض لآثار الجفاف وخلقت أزمة إنسانية.
شهد حوض الفرات ودجلة بأكمله وأجزاء كبيرة من إيران جفافاً زراعياً شديداً واستثنائياً على مدار 36 شهراً حتى حزيران 2023، مما يجعله ثاني أسوأ جفاف مسجَّل في كلا المنطقتين بناءً على مؤشر SPEI المذكور آنفاً.
إنّ الطبيعة الشديدة للجفاف ليست نادرة في المناخ الحالي (الذي ارتفعت حرارته بمقدار 1.2 درجة مئوية بسبب حرق الوقود الأحفوري). ومن المتوقع أن تقع أحداث ذات خطورة مماثلة كلّ عقد على الأقل.
وباستخدام ثلاثة مخرجات لبيانات مختلفة قائمة على الملاحظات، وجدنا اتجاهاً قوياً نحو موجات جفاف أكثر شدة في كلتا المنطقتين. لقد وجدنا أنّ الجمع بين انخفاض هطول الأمطار وارتفاع معدل التبخر والنتح غير عاديّ مثل الظروف الأخيرة – حيث إنه يقع كل 5 إلى 10 سنوات تقريباً - في عالم لم ترتفع فيه درجة الحرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية، سيكون أقل خطورة بكثير لدرجة أنه في الوقت الحاضر لن يتم تصنيفها على أنها جفاف على الإطلاق.
مسؤولية بشرية
من أجل تحديد ما إذا كان تغير المناخ الناجم عن الإنسان هو المحرك لهذه الاتجاهات وإلى أي مدى، فإننا نجمع بين مخرجات البيانات القائمة على الملاحظات والنماذج المناخية وننظر إلى مؤشر SPEI لمدة 36 شهراً في كلتا المنطقتين. لقد وجدنا أن احتمالية حدوث مثل هذا الجفاف في حوض المنطقة قد زادت بعامل 25 مقارنة بعالم أكثر برودة بمقدار 1.2 درجة مئوية. وفي إيران، زادت احتمالية حدوث مثل هذا الجفاف بعامل 16 مقارنة بعالَم أكثر برودة بمقدار 1.2 درجة مئوية.
وفي كلتا المنطقتين، أدى التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري إلى زيادة شدة هذا الجفاف بحيث لم يكن من الممكن تصنيفه على أنه جفاف في عالم أكثر برودة بمقدار 1.2 درجة مئوية. مما يؤكد أن النتيجة المرصودة ناجمة بالفعل عن تغيّر المناخ الناجم عن الإنسان.
لفهم دوافع الأرصاد الجوية وراء هذا التغير في الجفاف الزراعي، قمنا أيضاً بتحليل هطول الأمطار ودرجة الحرارة بشكل منفصل ووجدنا أن هناك تغيّراً طفيفاً في احتمالية هطول الأمطار وكثافته ولكن هناك زيادة كبيرة جداً في درجة الحرارة. ومن ثم نستنتج أن هذه الزيادة القوية في شدة الجفاف ترجع في المقام الأول إلى الزيادة القوية للغاية في درجات الحرارة القصوى بسبب حرق الوقود الأحفوري.
وما لم يتوقف العالم بسرعة عن حرق الوقود الأحفوري، فإنّ هذه الأحداث سوف تصبح أكثر شيوعاً في المستقبل. وفي عالم أكثر احتراراً بمقدار درجتين مئويتين عن عصر ما قبل الصناعة، فإنّ حدثاً كهذا سيكون بمثابة جفاف استثنائي، وهو أسوأ تصنيف ممكن.
سوء إدارة المياه في الإقليم
تتفاقم المستويات المرتفعة من الإجهاد المائي في المنطقة اليوم بسبب القيود المفروضة على القدرات الفنية، وإدارة المياه، والتعاون الإقليمي. وقد ساهم النمو السكاني السريع، والتصنيع والتغيرات في استخدام الأراضي، وممارسات السدود وإدارة تدفق الأنهار بين بلدان المنبع والمصب، ومحطات معالجة المياه القديمة، وانخفاض كفاءة شبكات مياه الري، في أزمة مياه معقدة. علاوة على ذلك، يتم استخدام المياه كسلاح في الصراعات، حيث يتم استهداف شبكات المياه بشكل متزايد للتخريب.
تسلّط هذه النتائج الضوء على أنه على الرغم من «انخفاض الثقة» في توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بشأن الجفاف في المنطقة، فإن الإجهاد المائي المتزايد الناجم عن تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري بالإضافة إلى العوامل النظامية الأخرى لا يزال يمثل تهديداً كبيراً للسكان ويتطلب جهوداً عاجلة لتحقيق المزيد من الفعالية في إستراتيجيات إدارة المياه، والاستجابة الإنسانية متعددة التخصصات، والتعاون الإقليمي الذي يشمل المزارعين وأصحاب المصلحة الآخرين في التخطيط.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1148