«تسلا» منتقداً احتكار الكهرباء ومبشِّراً بالشيوعيّة
نيكولا تسلا نيكولا تسلا

«تسلا» منتقداً احتكار الكهرباء ومبشِّراً بالشيوعيّة

«ستكون الكهرباء مجّانية كالهواء»، بحسب العالِم والمخترع الصِّربي نيكولا تسلا في مقال كتبه بتاريخ 8 آذار 1896 في مجلة «الأحَد العَالمي» الأمريكية، بعنوان «كهرباء الأرض للقضاء على الاحتكار». حيث اعتبر أنّ تشغيلها لصالح الإنسانية «سيضع نهايةً للاحتكارات القمعية والابتزازية في مجال البخار والهاتف والتلغراف والاستخدامات التجارية الأخرى للكهرباء، وسيتعيّن على أصحاب الملايين الجشعين، الذين حَلَبوا جيوب الشعب بالأصابع الكهربائية طوال عقدين من الزمن، التخلّي عن احتكارهم». ورغم مسحته الطوباوية، يظهر المقال النزعة التقدّمية لدى تسلا، في وقتٍ كانت فيه الرأسمالية تلج طورها الإمبريالي نحو مزيد من الاستغلال وإغراق العالَم بظلام الحروب والدماء.

تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان

قبل أن نعرض أدناه ترجمتنا لمقال تسلا كاملاً، من المفيد البدء ببعض الملاحظات ذات الصلة التاريخية فيما يخصّ الإمبريالية والكهرباء. بحسب لينين يمكن تأريخ ظهور الإمبريالية كطور جديد في الرأسمالية، وذلك «بدقة معقولة»، إلى مطلع القرن العشرين في أوروبا، علماً بأنّ أشكالها الجنينية تعود إلى حالات معزولة من الاحتكارات ظهرت حتى قبيل العام 1860، ثمّ بشكلٍ خاص بعد أزمة الركود الاقتصادي العالمية عام 1873. وفي عام 1894 صار واضحاً بالنسبة لإنجلس أيضاً، عندما أضاف ملاحظةً على المجلد الثالث من «رأس المال»، بأنّ «المنافسة في السوق الداخلية تتراجع أمام زحف الكارتيلات والتروستات... ولذلك فإنّ كلّ عنصر من العناصر التي تعيق تكرار الأزمات قديمة الطراز يحمل في أحشائه بذرة أزمة مقبلة أشدّ وأعتى».
يمكن تأريخ بداية الكهرباء الصناعية والمنزلية إلى العام 1882 عندما أنشأ توماس أديسون شركته الرأسمالية (محطة كهرباء شارع بيرل) في مدينة نيويورك. ومن أشكال الطاقة الصناعيّة لاحظ إنجلس أهمية الكهرباء، ولكنّها في حياته لم تكن قد أصبحت بعد المصدر الأهمّ، كما نلاحظ من ترتيبها بعد البخار في رسالته إلى دانييلسون (لندن، 22 أيلول 1892): «إنني أعتبر الآن أنّ الإنتاج الصناعي في هذه الأيام يعني الصناعة الكبيرة، والبخار، والكهرباء، والمَغازل الآلية، والمَناسِج المُشغَّلة بالطاقة، وأخيراً الآلات التي تُنتِج الآلات». وفي رسالته إلى شتاركينبرغ (لندن، 25 كانون الثاني 1894) كتب إنجلس، «لم نعرف أيّ شيء معقول عن الكهرباء سوى عندما تمّ اكتشاف إمكانية تطبيقها التقنيّ». ربّما كان هذا آخر ما نُقِلَ عن إنجلس بشأن الكهرباء قبيل وفاته في العام التالي (5 آب 1895). ومقال نيكولا تسلا أدناه ظهر بعد ذلك بنحو 7 أشهر.
ويجدر التنويه إلى أنّ أكثر من مصدر يؤكّد نسب المقال إلى تسلا ككاتب، ولكن سيلاحظ القارئ أنه غير مكتوب بصيغة المتكلم بل يشير إلى تسلا كغائب، ولا نعرف إذا كان ذلك أسلوباً اختاره تسلا أم أنّ المقال إعادة صياغة لكلامٍ صرّح به تسلا لمحرّري المجلّة.

نَصّ مقال تسلا

العالَم على أعتاب اكتشاف مذهل، ستتغير الظروف التي نعيش في ظلّها. لقد أزِفَت نهاية احتكارات التلغراف والهاتف وشارفت على الانهيار. وبالمناسبة، فإنّ جميع الاحتكارات الأخرى التي تعتمد على الطاقة من أيّ نوع كانت سوف تتوقّف فجأة. يجب تسخير التيارات الكهربائية الأرضية، فالطبيعة تقدّمها بالمجّان. تكلفة الطاقة والضوء والحرارة لن تكلّف شيئاً عمليّاً.
إنّ العلماء والكهربائيين الذين حاولوا منذ سنوات إتقان سرّ التيارات الأرضية الكهربائية التي تمتلئ بها الأرض تحت أقدامكم، هم على عتبة النجاح. ونجاح التجارب التي يجرونها يعني الكثير بالنسبة لهم، لكنه يعني الكثير بالنسبة للشعب أيضاً. وهذا يعني أنه إذا نجح نيكولا تسلا في تسخير التيارات الأرضية الكهربائية وتشغيلها لصالح الإنسان، فستضع نهايةً للاحتكارات القمعية والابتزازية في مجال البخار والهاتف والتلغراف والاستخدامات التجارية الأخرى للكهرباء، وإنّ أصحاب الملايين الجشعين الذين حَلَبوا جيوب الشعب بالأصابع الكهربائية طوال عقدين من الزمن، سيتعيّن عليهم التخلّي عن احتكارهم.
اكتشف نيكولا تسلا سرّ التيارات الأرضية الكهربائية في الطبيعة، وسيتمّ تكييفها لاستخدامات الإنسان. نجح في نقل الصوت بوساطة التيارات التي تُحدِثُ اضطراباً كهربائياً للأرض، وسيتبع ذلك نقلُ الطاقة. إنّ تجاربه التي رُدَّت إلى استخدامات عملية تجارياً ستكون قادرة على الاستفادة من التيارات الكهربائية للأرض وجعلها تخدم أغراض الصناعة والتجارة تماماً كما يُستخرَج الماء بيديّ حفّار الآبار في لونغ آيلاند، أو الفحم بيديّ عامل منجم في بنسلفانيا. إنّ الطاقة الكهربائية الهائلة المختزنة في الأرض على مرّ العصور سيتمّ تسخيرها واستخدامها لتحريك آلات الإنسان.
ستكون الكهرباء مجّانية كالهواء. للحصول على امتياز استخدامها، لن يتعيَّن دفع الرّشوة للهيئات التشريعية أو إفسادها في صناديق الاقتراع، ولن يتعيّن النظر إلى المجالس العامة وهي تمنح امتيازات حصرية للشركات المنظِّمة لاستخدام الملكية العامة لتحقيق مكاسب خاصة، وجعل الناس يدفعون التكلفة الأصلية لاستثماراتهم ورسوم الخدمة المفرطة من أجل استخلاص الأرباح من الأسهم التي تحظى برعاية غزيرة.
وستضطرّ الاحتكارات إلى توفير الطاقة البخارية أيضاً، وإلى الاستسلام للكهرباء المجّانية، لأنّه مع هذه الأخيرة لن يكون على المصنّعين سوى توصيل مولّداتهم بالتيارات الأرضية لتشغيل آلاتهم. إنّ التكييف الناجح لاكتشاف تسلا سيوجّه ضربةً قاضية إلى العبودية الأكثر إزعاجاً التي قيّدت أنشطة البشر في حلقة مفرغة من الاحتكار. تسلا هو الساحر الذي سيحرّر الصناعات الحديثة من أغلال الشركات الاحتكارية الفاسدة التي تسعى إلى الاستيلاء على الأرباح.
إنّ الصوت ينتقل بسرعة مذهلة، لكن الاهتزازات الكهربائية تنتقل بسرعة يصعب استحضار شكل يوضّح سرعتها بيانياً. إليكم تصوّر من شأنه أن ينقل انطباعاً حيوياً وواضحاً؛ تخيّلْ نفسك على طاولة وأنت تحمل مسدساً في إحدى يديك، بينما تضع إصبعاً من اليد الأخرى على مفتاح جهاز تلغراف متّصل بسلك يطوّق الكرة الأرضية سبع مرات ويدور في الدورة الثامنة مسافة تساوي 11000 ميل. اضغط زناد المسدَّس واضغط في الوقت نفسه على مفتاح التلغراف. بينما ينتقل صوت دويّ المسدَّس مسافة 1100 قدم، تكون النبضة الكهربائية الناتجة عن الضغط على مفتاح التلغرام قد دارت سبع مرات ونصف حول العالم عبر السلك الذي يتصل به المفتاح.
ينتقل الصوت بسرعة 1250 قدماً في الثانية، وينتقل النبض الكهربائي بسرعة 186000 ميل في الثانية. إذا أمكن تسخير التيارات الكهربائية التي تمتلئ بها الأرض وتشغيلها، فسوف يبزغ فجر عصر جديد في الكهرباء. تنصبّ جهود عالم مثل تسلا على إتقان سرّ هذه التيارات الأرضية وتكييفها.
في سياق تجارب تسلا، ذُكر أنه اكتشف بالقرب من المدن الكبيرة تياراتٍ أرضية متضاربة كثيرة لدرجة تمنع الحصول على نتائج مُرضية. لذلك ذهب إلى «دنفر» فوجد بالقرب منها مجالاً أفضل للتجربة. هناك التقى بصديق مهتم بالأبحاث الكهربائية، وذهبا إلى قمة بايك، وكان من بين أمتعتهم قيثارتان آليّتان.
تسلّق تسلا وصديقُه الجوانب الوعرة للقمّة. وعلى ارتفاع متَّفَقٍ عليه انفصلا. تجاوز تسلا القمّة وعندما وصل إلى نقطة مقابلة تماماً للمكان الذي ترك فيه صديقه توقَّف. وهكذا، كان المجرِّبان على خط مرسوم بشكل مستقيم عبر القمة، وتفصل بينهما أربعة أميال من الصخور الطبقيّة. تمّ ضبط القيثارتين الآليَّتَين بدقّة شديدة قبل أنْ يفترق العالِمان، مع الاتفاق على وقت محدّد سيعزف فيه رفيق السيّد تسلا نغمةً على القيثارة الآلية.
انتظر تسلا بصبر الوصول إلى الوقت المحدَّد، ثمّ قام بتوصيل قيثارته بالأرض بطريقة تضمن رنيناً توافقياً مع التيّار الأرضي. أمّا طريقة ووسيلة هذا الاتصال فهي أسرار. تم تجهيز جهاز الاستقبال التلقائي بميكروفون. ومع اقتراب الوقت الذي يعزف فيه صديقه على الجانب الآخر من القمة النغمة المحدّدة، كان تسلا يصغي بانتباهٍ شديد.
أخيراً، وعلى نحو مشابه للطريقة التي تستجيب بها الشوكة الرنّانة لنغمتها التوافقية التي تنطلق على أوتار بيانو، أصدرتِ القيثارةُ الآلية التي بين يدي السيّد تسلا نغمات «بن بولت» Ben Bolt التوافقية التي كان رفيقه يضربها على الأسلاك المتوتّرة لآلته من محطّته على بعد أربعة أميال مباشرة. وكانت التجربة ناجحة. وبعد عزف العديد من الألحان، نزل تسلا ورفيقُه من أعلى القمّة. تمّت كتابة بيان بحقائق ونتائج التجربة والمصادقة عليها من قبل كاتبٍ عَدْلٍ، بوصفها سِجلّاً علميّاً قياسياً.
إنّ التيارات الكهربائية موجودة في الأرض، وقوتها كبيرة بما يكفي لتوفير كلّ ما يحتاجُه الإنسان من طاقةٍ ونور. لقد تغلّب السيّد تسلا على الصعوبة الأوّلية، وحدّد موقع التيّارات الأرضية واستثمرها. والبقية ستأتي تباعاً، مثلما جاء الهاتف بعد اكتشاف البروفيسور بيل لكيفيّة نقل الكلام عبر سلك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1142
آخر تعديل على الخميس, 19 تشرين1/أكتوير 2023 17:17