«متلازمة هافانا»... عاقبة لتجارب أسلحة كهرومغناطيسية؟
* ألكسندر أرتامونوف * ألكسندر أرتامونوف

«متلازمة هافانا»... عاقبة لتجارب أسلحة كهرومغناطيسية؟

في 15 أيلول 2021، أمر وزير الحرب الأمريكي لويد أوستن جميع الأفراد العسكريين والمسؤولين المدنيين في البنتاغون والمتعاقدين بالإبلاغ عن أيّة أعراض لما أطلقت عليها أمريكا تسمية «متلازمة هافانا»، وهو مرض غامض أثَّر على البعثات الدبلوماسية الأمريكية في العديد من البلدان حول العالم. ورأى خبراء الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم بأنّ المتلازمة هي آثار للتعرُّض لسلاح الأمواج القصيرة «الميكرويف». واتهمت المستويات السياسية والعسكرية الأمريكية روسيا بأنها تقف وراء الموضوع. لكن ما لا يتم تسليط الضوء عليه كثيراً هو أنّ الولايات المتحدة تجري الأبحاث على «التعرُّض المستهدف للبشر بإشعاع الميكروويف» منذ العام 1966.

تعريب وإعداد: قاسيون

ظهر المرض الغامض لأول مرة في عام 2016 في هافانا عاصمة كوبا، حيث قضى فعلياً على موظفي السفارة الأمريكية. أفاد الضحايا أنهم في البداية سمعوا أصوات صرير ورنين غريبة، ثم فقدوا الوعي أو بدأوا يعانون من الصداع النصفي الشديد والدوخة والارتباك. كان لا بد من إغلاق البعثة الدبلوماسية وإعادة الموظفين إلى أوطانهم. تم فحص ما لا يقل عن 59 أمريكياً في كوبا والصين أو علاجهم من المرض المجهول. يبلغ العدد الإجمالي للمرضى 130 شخصاً على الأقل.
في عام 2021، حدثت موجة جديدة من الحوادث الصحّية غير المبرَّرة، هذه المرة في فيينا وبرلين. وفي خريف العام نفسه، تم الإبلاغ عن حالات الإصابة بمرض «الميكروويف» في اليابان وأوزبكستان وكولومبيا وأستراليا. وبحسب وكالة أسوشيتيد برس، في آب من عام 2021، تأخر وصول نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس إلى فيتنام لمدة ثلاث ساعات للسبب نفسه. وقيل إنّ موظفاً آخر في السفارة الأمريكية- هذه المرة في هانوي- قد وقع ضحية «وباء هافانا».

اتهام روسيا

انتشرت الشائعات بسرعة كبيرة حول «سلاح سرّي جديد للروس» أثَّرَ على ضباط المخابرات والدبلوماسيين. وقامت أفريل هاينز، مديرة المخابرات الوطنية في إدارة بايدن، بإبلاغ الرئيس بايدن في 8 آب 2021 بأن الخبراء يبذلون قصارى جهدهم للعثور على أدلة من شأنها أن تثبت «تورّطاً روسيّاً مراوغاً». ولكن موسكو نفت مراراً هذه الاتهامات. في كانون الأول 2020، صرحت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية بأن بلادها ليست لديها أية أسلحة موجَّهة بالميكروويف وأنّ «مثل هذه التخمينات الاستفزازية لا أساس لها... ولا يمكن اعتبارها سبباً جدياً للتعليق».

توصيات دبلوماسية وأمنية

أوضحت وزارة الدفاع الأمريكية وإدارة جو بايدن أنهم يأخذون المشكلة على محمل الجد. أصدرت وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية في الولايات المتحدة سلسلة من الإرشادات لموظفيهما أيضاً. أوصت إحداها بوجوب المغادرة الفورية من أي مكان يحتمل أن يكون خطيراً إذا ظهر شعور بتوعّك. لتتويج كل ذلك، أنشأت وزارة الخارجية الأمريكية مجموعة عمل خاصة يمكن للدبلوماسيين وأفراد أسرهم اللجوء إليها في حالة تعرضهم «لحوادث صحية غير مبرَّرة».
استقر الخوف من الخطر الوشيك في أروقة وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية. يشعر المسؤولون الحكوميون بعدم الارتياح حيال الذهاب في رحلات عمل طويلة، خاصة مع أفراد العائلة.
توسعت جغرافية متلازمة هافانا. عاد ويليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية CIA من الهند وجلب معه أعراضاً يمكن التعرف عليها بسهولة أيضاً (وفقاً لما تم إعلانه). فقد العميل الأمريكي مارك بوليمروبولوس، الذي عمل في موسكو، قدرته على العمل إلى الأبد، وبدأ يعاني من صداع شديد وألقى باللوم على متلازمة هافانا الشائنة.

رأي العلماء الأمريكيين

في كانون الأول 2020، قدّم علماء الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم رأيهم الطبي حول هذا الموضوع: برأيهم إنّ سلاح الميكروويف هو السبب.
نصّ الحكم، الذي وقعه 19 طبيباً متخصصاً وخبيراً في المجالات العلمية ذات الصلة، على أنَّ الأعراض المذكورة أعلاه تطورت نتيجة هجوم طاقة الترددات الراديوية النبضية الموجَّهة. وقال العلماء إنّ هذا هو التفسير الوحيد لهذا المرض الغامض. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز تقرير اللجنة.
في كانون الثاني 2018، نشرت بياتريس كولومب، الأستاذة في جامعة سان دييغو، والمتخصصة في تأثيرات الموجات الميكروية على جسم الإنسان، مقالاً في مجلة الحوسبة العصبية عن تأثيرات الموجات الميكروية على جسم الإنسان. وفي أيلول من العام نفسه، بعث الباحث برسالة مفصَّلة إلى قسم وزارة الخارجية الأمريكية المعني بالتحقيق في متلازمة هافانا. قالت الأستاذة إنها لا تشكّ في طبيعة الموجات الميكروية لمتلازمة هافانا. وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أنها قرأت التقرير باهتمام.
في غضون ذلك، وصف باحثون في الولايات المتحدة أعراض التعرض للميكروويف السمعي بتأثير «فراي» Frey effect، تكريماً لأحد الرواد في هذا المجال. يتفق الخبراء على أن الدماغ البشري يمكن أن يعمل مثل هوائي استقبال يلتقط موجات بترددات من رتبة غيغا هيرتز. وعندما تعرض الأشخاص للإشعاع النبضي بالميكروويف، أفادوا أنه يمكنهم في البداية سماع أصوات طحن غريبة ثم الشعور بالإرهاق.
ويرى العلماء أنّ هذا يرجع إلى الخصائص العازلة للدماغ البشري. وعند التعرض لمجالات الطاقة الكهربائية والمغناطيسية الخارجية، قد يحدث استقطاب داخلي لدماغ الإنسان، مما يؤدي إلى عواقب طبية وخيمة. يمكن العثور على هذه الاستنتاجات في تقرير من الجمعية الدولية للكهرومغناطيسية الحيوية نشر في تموز 2021.
يعتقد البروفيسور جيمس سي لين من جامعة إلينوي، وهو باحث رئيسي في «تأثير فراي»، أن الموجات الميكروية يمكن أن تسبب اضطراب المرونة الحرارية في الأذن وتعطيل التنسيق الحركي.

برامج أمريكية للأسلحة الكهرومغناطيسية

من اللافت للانتباه أنّ جميع الأبحاث الحديثة في مجال التعرض المستهدف للبشر لإشعاع الميكروويف قد أجريت في الولايات المتحدة. يعود تاريخ البحث الأول حول هذا الموضوع إلى كانون الأول 1966، عندما ذكر نائب مدير وكالة DARPA للبحث والتطوير في وكالة المخابرات المركزية مشروعاً متعلقاً بأسلحة الميكروويف.
في وقت لاحق، أصبح معروفاً من مصادر سرّية أنَّ القوات الجوية الأمريكية أطلقت ثلاثة برامج بحثية سرية خلال التسعينات.
تمت تسمية المشروع الأول Hello. كانت المهمة هي تحديد مجموعة من الموجات الميكروية التي من شأنها أن تجعل الناس يعانون من ضوضاء رنين عالية في الرأس. كان من المفترض أن تجد الدراسة الثانية، التي تحمل الاسم الرمزي Good Bye، تردّدات قادرة على قمع «عدوان الحشود»؛ إذ يبدو أن الولايات المتحدة كانت تبحث عن طرق جديدة لتفريق المتظاهرين. أما الخط الثالث من البحث تحت الاسم الرمزي Good Night فكان من المفترض أن يتيح قتل الناس عن بعد.
في ربيع عام 2018، عندما نشرت الأستاذة كولومب مقالتها عن تأثيرات الموجات الميكروية على البشر، اكتشف الصحفي الاستقصائي كورتيس والتمان من منصة MuckRock الإعلامية رسالةَ بريد إلكتروني من مركز ولاية واشنطن فيوجن في صندوق الوارد الخاص به. كان هناك ملف مضغوط ثقيل مرفق بالبريد الإلكتروني، يحمل عنوان «آثار الكهرومغناطيسية على جسم الإنسان». تم نشر هذه المعلومات بوساطة مجلة Popular Mechanics في عدد 19 نيسان 2018.
ووصفت الوثيقة التكنولوجيا المستخدمة في صنع أسلحة كهربائية-نفسية وآثار الإشعاع على دماغ وجسم الإنسان. كما احتوت أيضاً على معلومات حول إنشاء جهاز للتلاعب بالبشر عن بُعد.
إنّ العلم الذي يبحث عن طرق معقدة لتدمير الكائنات الحية لا يزال قائماً. وفقاً لوسائل الإعلام العسكرية الفرنسية، تختبر الولايات المتحدة نوعاً جديداً من أنظمة الدفاع الجوي التي تستخدم تقنية الميكروويف. يُعرف المجمَّع باسم THOR (المستجيب التشغيلي التكتيكي عالي الطاقة) وهو مصمَّم لمكافحة المركبات الجوية غير المأهولة بمساعدة النبضات الكهرومغناطيسية القوية. قد يعطي هذا التقدّم في تطوير مجالات جديدة للفيزياء التطبيقية إجابةً غير مباشرة على السؤال حول من يقف وراء ظاهرة متلازمة هافانا.

* المصدر: البرافدا، 26-10-2021 «مَن العقل المدبّر لظاهرة متلازمة هافانا».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1063