الرأسمالية تَسُوْق البشرية إلى هاوية انعدام تجدُّدها البيولوجي!
 فلاديمير أودينتسوف -  ترجمة وإعداد: قاسيون فلاديمير أودينتسوف - ترجمة وإعداد: قاسيون

الرأسمالية تَسُوْق البشرية إلى هاوية انعدام تجدُّدها البيولوجي!

«الخصوبة من العوامل المركزية في الوضع الديموغرافي الذي هو بدوره مؤشرٌ رئيسي لتطور أيّ بلد، ويؤثر على العمليات الاجتماعية وبنية الدولة. ولذلك فإنّ حلّ أهم القضايا الاجتماعية المتعلقة بتنمية الدولة وحالتها الاقتصادية وأمنها القومي يعتمد بالدرجة الأولى على حلّ القضية الديمغرافية، حيث يعتمد التوازن الإقليمي والعالمي للقوة الاقتصادية والسياسية إلى حد كبير على العمليات الديموغرافية والهجرة». بهذه المقدمة افتتح الباحث في السياسة فلاديمير أودينتسوف المقال التالي المنشور في موقع «النظرة الشرقية الجديدة» NEO.

قدّرت الأمم المتحدة تعداد سكّان العالم عام 2020 بحوالي 7 مليارات و794 مليون و800 ألف نسمة. ولا تزال الصين الأكبر سكانياً (مليار 439 مليون 323 ألف). تليها الهند (مليار و380 مليون) ثم الولايات المتحدة (بأكثر من 331 مليون نسمة). وثلاثتها تمثل 40,4% من سكان العالم. تشكل الموارد البشرية في البلدان المتقدمة 68% إلى 76% من إجمالي الثروة الوطنية (وفق البنك الدولي) ما يعني أنّ الإمكانات البشرية هي العامل الرئيس للنمو الاقتصادي في العالم الحديث، وعليها تعتمد كفاءة استخدام جميع موارد التنمية الأخرى. هذا يجعل انخفاض الخصوبة أمراً بالغ الأهمية، لتحديد أسبابه والتعامل معه في الوقت المناسب.

تأثير انهيار الاتحاد السوفييتي

تتصدر أوكرانيا ودول البلطيق وجورجيا انخفاض عدد السكان بين جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. ففي الثلاثين عاماً التي تلت انهياره، فقدت أوكرانيا 20% من سكانها. وتتصدر لاتفيا القائمة، حيث فقدت 28,3% من سكانها، تليها ليتوانيا (-%24,5) وجورجيا (-%23,2).

تأثير الأزمة الاقتصادية والوباء

وفق دراسة لصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في 19 دولة أوروبية وفي الولايات المتحدة، نشرتها دار شبيغل، أدى وباء كوفيد إلى انخفاض ملحوظ في عدد الأطفال حديثي الولادة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وإلى انخفاض حادّ في الخصوبة منذ أكتوبر 2020 في جميع البلدان المشمولة بالدارسة، وفي كندا، وهو الأدنى منذ عام 2006. تعزو خبيرة الأمم المتحدة (راشيل سنو) ذلك إلى واقع أنّ الناس يفضّلون تجنّب الحمل في الأوقات غير المستقرة.

أوروبا الغربية

هناك تباين كبير من بلد إلى آخر في أوروبا، فبينما أبلغت إسبانيا عن انخفاض بنسبة 20% في معدلات المواليد وفرنسا انخفاضاً بنسبة 13,5%، لم تشهد بلدان كالدنمارك وفنلندا والنرويج وهولندا اختلافات قوية، ولكنها تبقى استثناءً ضمن القاعدة العامة لهذه المجموعة.
أدّت الصعوبات المالية وسط الوباء إلى انخفاض معدل المواليد في إنكلترا وويلز العام الماضي إلى أدنى مستوى له منذ عام 1938. وذكرت صحيفة «ذي تايمز» أنّ أكثر من 29% من الأطفال حديثي الولادة ولدوا لأبوين غير بريطانيين (يتصدّر الباكستانيون والرومانيون القائمة). وتشير «الغارديان»، نقلاً عن محللين في «مؤسسة السوق الاجتماعية»، إلى أنّ انخفاض معدلات المواليد وكبر السن قد يلحق الضرر باقتصاد المملكة المتحدة بشدّة في غضون عقود قليلة. لحلّ الأزمة الديموغرافية، يدعو الخبراء الحكومة إلى تزويد الأسر بدعم رعاية الأطفال ووضع إستراتيجيات لتحفيز معدل المواليد. ووفقاً لصحيفة «ديلي إكسبريس»، أظهرت دراسة جديدة أنّ متوسط ​​العمر المتوقع في المملكة المتحدة هو من بين أدنى المعدلات في أوروبا الغربية، مع انخفاض 2 إلى 4 أعوام في شمال البلاد عنه في معظم الدول الأوروبية. يشير الخبراء إلى أنّ الفجوة الاقتصادية بين الشمال والجنوب البريطاني موجودة منذ أكثر من 85 عاماً، وسيستغرق سدّها أموالاً تقارب تلك التي صرفت لإعادة توحيد ألمانيا.

الولايات المتحدة:
كلاب أكثر من الأطفال!

في الولايات المتحدة، أثر الوباء أيضاً على معدّل المواليد: مثلاً انخفض في كاليفورنيا بنسبة 10,5% وفي فلوريدا بنسبة 7,2%. وفقاً للدراسات الاستقصائية، قام العديد من المتزوجين بتأجيل خطط الحمل بسبب الوضع الوبائي وكذلك السياسات الاجتماعية الفاشلة للدولة. وذكرت صحيفة «نيويورك بوست» العام الماضي أنّ عدد الوفيات تجاوز عدد المواليد في 25 ولاية أمريكية. كما انخفض معدل الزواج إلى أدنى مستوى له على الإطلاق حيث بلغ 6,5 زيجات لكل 1000 شخص. لوحظ أنّ جيل الألفية هو الأعزب بشكل أساسي (حوالي 56%). ووفقاً لمركز «بيو»، فإنهم لا يمارسون الجنس ومن المرجّح أن يعيشوا مع والديهم أكثر من الأجيال السابقة بأعمار من 20 إلى 40. وتضاعف عدد هؤلاء الشباب ثلاث مرات بين عامي 2008 و2018. وأصبحت مدن مثل نيويورك بلا أطفال بشكل متزايد. يقول المنشور إنّ عدد الكلاب في سان فرانسيسكو يفوق عدد الأطفال.
تشرح قناة MSNBC الأمريكية أنّ الأجيال الشابة تتردّد في أنْ تصبح آباءً لأنهم يجدون الحقائق الحالية غير مقبولة ويبدو المستقبل أكثر غموضاً من أيّ وقت مضى. وفي ظلّ الوباء، تزايد تسريح الآباء والأمهات، بشكل أساسي، من القوى العاملة، إما بسبب فصلهم أو لاضطرارهم إلى رعاية أطفالهم أو أسرة مريضة. يكاد يكون مستحيلاً الآن شراء منزل لتربية الأطفال ما لم يكن لديك المال أو الأقارب لتحقيق ذلك. يواجه جيل الألفية أيضاً ديوناً على الطلاب سريعة النمو بحيث إنّ الحد الأدنى للراتب الشهري بالكاد يكفي للرسوم الدراسية الشهرية.
لأول مرة منذ بدء الإحصاء السكاني في الولايات المتحدة في عام 1790، انخفض عدد الأمريكيين البيض في البلاد بالأرقام المطلقة بنسبة 8,6% منذ عام 2010. شكّل البيض 57% (بينما كان 63.7% عام 2010) من سكان الولايات المتحدة البالغ عددهم 332,278,200 لأول مرة. ومنذ تعداد 2010، نما عدد السكان مختلطي الأعراق من 9 ملايين إلى ما يقرب من 34 مليوناً. بالإضافة إلى ذلك، شكل الأمريكيون اللاتينيون 62 مليوناً (بزيادة قدرها 23%)، والأمريكيون الأفارقة 46.9 مليوناً وذوو الأصول الآسيوية 24 مليوناً. وحذّرت صحيفة «فاينانشال تايمز» من أنّ الأوروبيين أيضاً عليهم أنْ «يعدّوا أنفسهم لاستبدال ديموغرافي بالعرب والآسيويين». ووجدت دراسة حديثة أنّ النمو السكاني في المملكة المتحدة يرجع بالكامل تقريباً إلى المهاجرين وأطفالهم. ويدقّ الخبراء ناقوس الخطر لأنّ المجتمع يفشل في استيعابهم.

تأثير أكبر على الرجال

في دراسة لجامعة أكسفورد، نُشرت في المجلة الدولية لعلم الأوبئة، كان لافتاً أنّ متوسط ​​العمر المتوقع في معظم البلدان قد انخفض للرجال أكثر منه للنساء، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى أن الوباء أصاب الرجال بشكل خاص وتسبب في زيادة الوفيات بينهم. وانخفض متوسط ​​العمر المتوقع بأكثر من 6 أشهر منذ 2019 في 22 دولة من أصل 29 شملتها الدراسة. مثلاً، بين الرجال الأمريكيين انخفض بمقدار 2,2 سنة مقارنة بعام 2019، بينما انخفض بين الرجال الليتوانيين بمقدار 1,7 سنة.

تحوّل نفسي وثقافي خطير ضدّ الإنجاب

اعتاد الناس على إنجاب الأطفال، كان هذا هو الوضع الافتراضي الطبيعي لشاب أو شابة يتمتعان بصحة جيدة، وكان وجودنا يعتمد عليه. لكن تدهور الأوضاع أوصلت مزيداً من الناس إلى درجة أن يتساءلوا: «لماذا علينا أنْ ننجب أصلاً؟!». لقد حدث هذا التحول النفسي الخطير على خلفية تحول دراماتيكي في القوى الروحية والثقافية والبيئية المحيطة بنا في الآونة الأخيرة. على سبيل المثال، أظهر استطلاع جديد أنّ 39% مما يسمى الجيل Z (وهم مواليد ما بين 1995 إلى 2005 تقريباً) ليسوا في عجلة من أمرهم للتكاثر خوفاً من «نهاية العالم المناخية»، بينما وجدت دراسة أجراها معهد دراسات الأسرة أنّ الرغبة في إنجاب الأطفال بين البالغين انخفضت بنسبة 17% منذ بداية الوباء.
كلّ هذه القضايا والمشكلات تجبر الجميع على التفكير فيها، وبدلاً من الانخراط بالسياسات الفاسدة والحروب العدوانية، يجب تحويل الطاقات لتحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية للبشرية، والاهتمام بالرعاية الصحية للأمهات والأطفال والآباء ومنع مزيد من الانخفاض في الخصوبة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1058