الجليد الملوَّث في ظل الكارثة الكهربائية:  كيف نتجنّب التسمّم والمرض؟

الجليد الملوَّث في ظل الكارثة الكهربائية: كيف نتجنّب التسمّم والمرض؟

تشهد بلدنا سورية انهياراً كارثياً بالشبكة الكهربائية، وإلى جانب آثاره المدمّرة اقتصادياً واجتماعياً ونفسيّاً، فإنّ له بالتأكيد آثاراً صحّية جسدية قد لا تكون تكشّفت بعد بكامل حجمها، ويُخشى من أنْ نكون مقبلين على أوبئة جديدة، والتي نعتقد بأنّ الأسبوع الماضي، على الأقل، شهد حوادث وبوادر لا بدّ أنْ يعتبرها أيّ معنيٍّ بالصحة العامة في البلاد ناقوسَ خطرٍ جدّياً لا يجوز إهماله. 

وعلى كلّ من يُفتَرض بهم تحمّل المسؤولية، وعلى رأسهم الجهات الرسميّة، بأنْ يتحرّكوا بسرعة قبل أن تضاف كارثة صحّية أو وبائية جديدة. وعلى سبيل المثال: في آخر تموز الماضي أصابَ تسمّم غذائي 11 شخصاً بينهم 7 أطفال في حمص، بسبب فساد الطعام في ثلاجتهم التي انقطعت عنها الكهرباء طويلاً. وفي 6 آب الحالي كشف مدير التجارة الداخلية في ريف دمشق عدة حالات لارتفاع نسبة بعض الجراثيم في عينات ضُبِطَت من معامل لتصنيع ألواح الثلج. في المادة التالية نتناول من وجهة نظرٍ عِلميّة وعَمَلية موضوع تلوُّث الجليد بالجراثيم والفيروسات، وبعض النصائح حول الوقاية منها، علماً بأنّ هذا لا يُغني إطلاقاً عن ضرورة حلّ المشكلة الأساسية عبر إعادة حقّ الناس المسلوب بالتيار الكهربائي، ومعه أبسط مقوّمات الحضارة البشرية، إلى بيوتنا.

هل يمكن للبكتيريا العيش حقّاً في الجليد؟

ببساطة، نعم، وفق ما تؤكّد التقارير والأبحاث العلمية. فالبكتيريا التي يمكن أنْ تسبب ضرراً خطيراً للإنسان قادرة على البقاء حيّة في مكعبات الثلج. ومن الخطأ الشائع الاعتقاد بأنّ الجليد باردٌ جداً بحيث لا يؤوي بكتيريا.
وهناك أنواع من البكتيريا مثل: Listeria monocytogenes قادرة على البقاء حية في البوظة (الآيس كريم). كما يمكن أن يؤدي تناول الثلج المتسخ إلى أمراض مثل: الكوليرا أو الالتهابات المعوية والإسهالات الحادة بسبب عصيات الإشريكية القولونية، إضافة لأمراض السالمونيلا والنوروفيروس والعديد من الأمراض الأخرى. فالوجود المحتمل للبكتيريا ينبّهنا لمدى أهمية التنظيف المنتظم لماكينات الثلج وأوعيته، وضرورة الرقابة على معامِلِه. كذلك يفترض بالجهات المسؤولة أنْ توضّح بتفاصيل أكثر لكلٍّ من الكوادر الطبية والمواطنين ما هي بالتحديد «الجراثيم المكتشفة» التي جرى الحديث عن وجودها بنسب أعلى من الطبيعي في معامل الثلج، حتى يكونوا على استعداد أفضل للتعامل مع أيّ حالات تسمّم أو أمراض ذات صلة.

بعض الأسباب التقنية

في نبذة مختصرة عن إحدى الدراسات الحديثة التي تناولت هذه المشكلة، ونُشرت عام 2019 تحت عنوان «تفشي عدوى نوروفيروس بسبب مكعبات الثلج وتسريب صمّام التهوية» في مجلة علم الأوبئة والعدوى Epidemiology and Infection الصادرة عن جامعة كامبريدج، ورد ما يلي:
«تم الإبلاغ عن تفشي عدوى مِعَويّة بين 154 شخصاً حضروا بوفيه عيد ميلاد في 9 و10 كانون الأول 2016. وأجريت دراسة استعادية تم فيها اختبار عينات البراز والماء والجليد وجهاز التهوية من أجل المؤشرات ومسببات الأمراض الروتينية. ولوحظ بأنّ نسبة 26% من إجمالي العينة (24 من 91) حقّقوا تعريف الحالة لوجود أعراض عدوى معوية- مَعِديّة فيروسية نموذجية. وتم اكتشاف مجموعة نوروفيروس الجينية الأولى في عينات براز من ثلاث حالات. وكانت إحدى هذه الحالات إيجابية أيضاً بالنسبة للفيروس السابوفي sapovirus وكان اختبار أحد أفراد الأسرة إيجابياً لكل من نوروفيروس وفيروس سابوفيرس. وكانت نسبة المخاطر Risk Ratio لدى الضيوف الذين إما شربوا الماء لوحده أو تناولوا مشروباً مع مكعبات الثلج، أعلى بـ 6,5 مرة من الذين لم يشربوا أياً منهما، في حين أنّ أولئك الذين شربوا كلا النوعين كانت نسبة الخطر لديهم 8,2 ضعفاً، وذلك بخطر متزايد مع زيادة الجرعة. ولوحظ بأن مكعبات الثلج من ثلاث آلات بيع ثلج كانت تحتوي على مستويات عالية من البكتيريا غيريَّة التغذية heterotrophic. وتم اعتبار وجود صمّام تهوية غير سليم، في المكان الذي توجد فيه آلة مكعبات الثلج، سبباً محتملاً لهذا التفشي. ولذلك نستنتج بأن صمامات التهوية التي تعاني من عيوب التسرّب قد تمثل طريقاً، لا يتم الانتباه إليه، للعدوى في حالات تفشّي الفيروسات الهضمية».
وفي مثال آخر، أظهر أحد التقارير الصادرة عن إحدى الشركات الغربية لتصنيع الثلج Ice-O-Matic أنّ ما يقرب من 40% من المشغلين يقرّون بأنهم لم يكونوا على دراية بعدد المرات التي تحتاج فيها آلة الثلج وخاصة فلاتر المياه إلى التنظيف، والتي غالباً ما تكون عرضة للإهمال. كما أنّ المشغلين كانوا جاهلين بمعلومة أنّ هناك أنواعاً من البكتيريا قادرة على البقاء حيّة حتى في الجليد.

كم مرة يجب تنظيف آلة الثلج؟

هناك نصائح متباينة بشأن معدل تكرار تنظيف آلة صنع الثلج التجارية. وهذا يعتمد على تكرار الاستخدام وحالة المياه في كل ظرف. لا بدّ من تنظيف الجزء الداخلي المرئي عندما تكون الماكينة فارغة. تذكَّر أيضاً إزالة تراكم الوحل أو العفن الضار الذي يحدث بشكل طبيعي عند سحب الهواء إلى الجهاز أثناء التشغيل.
لا تؤخِّر التنظيف أبداً إلى حين ظهور العلامات السلبية، مثل المكعبات الناعمة أو المشوهة أو الملبّدة أو الرائحة المميزة، بل يجب البدء بالتنظيف قبل ذلك، لأنّ ظهور أيّ منها سيعني بالفعل أنّ التنظيف قد فات موعده. فالتزمْ بجدول زمني صارم استباقياً. أمّا «التنظيف العميق» deep cleaning فيوصي به المصنِّعون كلّ ثلاثة أشهر على الأقل.
ومن المهم منع التلوث من خارج الجهاز أيضاً. يجب الاحتفاظ بمغرفة ثلج مناسبة ومخصصة في معقِّم معتدل (لا يحتوي على الكلور أبداً) أو على الأقل بعيداً عن التلوث المتبادل المحتمل، وهذا يعني أنه لا يجب ترك المغرفة في الجليد.
يجب ألا تلامس يداك الثلج أبداً. هناك دائماً مخاطر عالية من انكسار الزجاج وسقوطه في الماكينة، ولأنه شفّاف، لن تتمكن من رؤيته أبداً. لذلك لا ينبغي أبداً استخدام الأطباق والأدوات والأوعية الزجاجية لعملية غَرْف واستخراج الثلج.

كيفية تنظيف آلة صنع الثلج

يقوم المصنّعون دائماً بتضمين تعليمات التنظيف والتوصيات مع كل قطعة من المعدات، مما يبرز أهمية الحفاظ على نظافة صانعات الثلج. وفي حال وجود توصيات مرفقة بالجهاز فيجب الالتزام بها، أما التعليمات التالية فهي عامّة وحصلنا عليها من موقع «أمان الغذاء والنظافة» hygienefoodsafety.org الذي أورد الخطوات التالية:
قم بتفريغ الماكينة تماماً وتخلّص من أي ثلج.
لا تقم أبداً بإعادة استخدام أيّ ثلج تمت إزالته، حتى بعد اكتمال التنظيف.
إذا كان الجهاز يحوي دورة تنظيف، فقم بتشغيله لهذا الغرض.
أوقف تشغيل صانعة الثلج.
أخرج جميع المكونات التي يمكن إزالتها.
نظف جميع الأسطح الداخلية والخارجية بما في ذلك الحاويات التي تحتوي على مادة معقمة (إنْ وجدت).
يوصى أيضاً باستخدام مادة كيميائية لإزالة الترسبات الكلسية (اتبع التعليمات الموجودة على العبوة لمعرفة الكمية المسموح بها لنسبة الماء).
لا تستخدم أبداً مواد كيميائية قد تلوِّث الجليد.
اشطف وجفف جميع الأسطح جيداً.
انتبه إلى نظام الصرف، ففي أيّ مكان يوجد فيه ماء هناك احتمال لتراكم البكتيريا.
نظّف جميع المكونات بما فيها المجارف وما إلى ذلك، في المُطهِّر، أو بدلاً من ذلك ضَع القطع في غسّالة الأطباق التجارية لتنظيفها بدرجات حرارة أعلى (يجب أن تكمل غسّالات الأطباق التجارية الشطف النهائي عند 80 درجة مئوية على الأقل) – تذكّر بأنّ البرودة لا تقتل جميع البكتيريا، لكن الحرارة الساخنة الكافية تقضي عليها.
قم بتنظيف مرشِّح هواء المكثّف لإزالة أي غبار أو أوساخ متراكمة. ومن المنطقي إجراء القليل من الصيانة أثناء التنظيف.
أعد تجميع جميع المكونات، لتصبح الآلة جاهزة للتشغيل لدفعة جديدة من الثلج.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1030
آخر تعديل على الإثنين, 09 آب/أغسطس 2021 23:12