قواعد فيسبوك السرِّية المُحابية للصهيونية تُعرقِل انتقاد «إسرائيل»
يقوم فيسبوك وإنستغرام بإزالة متكرّرة وواسعة لمنشورات مؤيدة للفلسطينيين ومنتقدة لكيان الاحتلال، بما في ذلك تلك المنشورات التي توثّق حالات العنف التي يمارسها. وكثير من عمليات الحذف تمّت خلال الأسبوع الماضي دون سابق إنذار، أو إرسال إشعارات بانتهاكات سياسات ما يسمّى «معايير المجتمع» الفيسبوكّي. تسمح القواعد الداخلية السرّية لفيسبوك بأن يراقب ويتدخّل عند ورود مصطلح «الصهيونية» بحيث يقمع الانتقادات الموجهة لـ«إسرائيل» التي تتصاعد إحدى موجاتها حالياً بسبب جرائم الاحتلال المتصاعدة والمستمرة حالياً في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة والأقصى وغزة والضفة. وهذا وفقاً لآراء أشخاص وخبراء قاموا بمراجعة سياسات فيسبوك بهذا الشأن، كما يبيّن هذا المقال الذي نُشِرَ على موقع The Intercept في 14 أيار الجاري.
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان
صرّح داني نوبل، أحد الذين راجعوا قواعد فيسبوك، لموقع The Intercept: «يزعم فيسبوك أنّ سياستهم بشأن كلمة «صهيونية» تتعلق بـ«أمان اليهود»، ولكن وفقاً لمقتطفات سياسة المحتوى الخاصة بهم، يبدو أنّ اهتمام صنّاع القرار على Facebook ينصبّ على حماية المستوطنين الإسرائيليين الصهاينة وحكومتهم أكثر من الاهتمام بالمساءلة عن هذه الجرائم».
أعذار واهية
في رسالة بريد إلكتروني إلى The Intercept، قالت المتحدثة باسم شركة فيسبوك، صوفي فوجل، بخصوص المنشورات المحذوفة والتي دار العديد منها حول المحاولات الأخيرة لمستوطنين للاستيلاء على منازل فلسطينية (في حي الشيخ جرّاح بالقدس المحتلة)، فإنّ اللوم وفقاً لها يُلقى على عاتق «مشكلة تقنية أوسع» و«غير محددة» داخل التطبيقات وسلسلة من عمليات الحذف «الخاطئة» و«الخطأ البشري» على حدّ تعبيرها.
هل الرقابة مؤتمَتة فقط؟
تدّعي الشركة: أنّ قرارات المحتوى الخاصة بها تُتَّخَذ تلقائياً بوساطة الأجهزة [بشكلٍ مؤتمَت]، إلا أنّ Facebook وInstagram لا يزالان يعتمدان على جحافل من الموظّفين ذوي الأجور المنخفضة في جميع أنحاء العالم، مما يترك الخيار لحذف المنشورات أو الاحتفاظ بها رهناً لمزيج من «مكالمات الحكم الشخصي» وتطبيق كتب القواعد البيزنطية والمخططات الانسيابية والأمثلة الافتراضية. زعمت شركة فيسبوك أنها تراجعت عن مسألة إذا ما كانت ستضيف كلمة «صهيوني» إلى القائمة الرئيسة لفئات «الأشخاص المحميّين». وأخبرت الشركة النشطاء الفلسطينيين في مؤتمر افتراضيّ في آذار 2021 أنها لم تتخذ «أي قرار» بشأن المسألة. وقالت ميراندا سيسونز، مديرة «حقوق الإنسان» في فيسبوك، لمنتدى النشاط الرقمي الفلسطيني: «نبحث في بعض السياقات المحدودة حول إذا ما كان من الصحيح اعتبار أنّ كلمة صهيوني قد تكون وكيلاً لليهودي في بعض حالات خطاب الكراهية». لا يبدو هذا أمراً سليماً أبداً، لكن تعذَّر علينا التواصل مع سيسونز للتعليق على الموضوع.
رقابة محابية للصهيونية
هناك محظورات عديدة مستمدة من مكتبة مستندات Facebook الداخلية التي يبدو أنها تُملِي على جمهور الشركة، البالغ مليارات الأشخاص، ما هو مسموحٌ به وما يجب حذفُه.
إحدى القواعد الداخلية التي راجعها موقع The Intercept توجِّهُ المشرفين (الرُّقباء) على Facebook وInstagram لتحديد ما إذا كانت المشاركات والتعليقات التي تَستخدم مصطلح «الصهيونية» تشكِّلُ «خطاباً يحضّ على الكراهية» أم لا.
تشير «الصهيونية» إلى الحركة التي دافعت تاريخياً عن إنشاء «دولة يهودية» أو «مجتمع يهودي» في فلسطين، ثم عن الكيان الذي أُنشِئ بسبب نشاط هذه الحركة: «إسرائيل». ويتم كثيراً الخلط ومطابقة «الصهيونية» مع «اليهودية» والتذرّع بأنّ من يستخدمون «الصهيونية» هم بشكلٍ صريح أو بالغمز ينتمون لما يسمى «معاداة السامية»، في تجاهلٍ للمعنى التاريخي والسياسي الواضح والشرعي لاستخدام كلمة «الصهيونية»، بما في ذلك بسياق انتقاد «إسرائيل». وفق أحد المشرفين على Facebook الذي تحدث إلى موقعنا بشرط عدم الكشف عن هويته لحماية وظيفته، فإنّ هذه السياسة عملياً «لا تترك مجالاً للمناورة لانتقاد الصهيونية» في وقت تخضع فيه هذه الأيديولوجية تحديداً لتدقيق شديد واحتجاجات.
أمثلة عملية
يشكل نصّ قواعد سياسات فيسبوك حول «الصهيونية» مجرد جزء من وثيقة إرشادية أكبر بكثير لتحديد «الفئات المحمية» و«خطاب الكراهية» المرتبط بها. يزعم فيسبوك أنه لا يَعتبر «الصهيونية» فئة محمية بمفردها حالياً. ونقرأ من نصّ السياسات كما وردت ما يلي:
ما هي المؤشرات لتحديد ما إذا كانت صفة «الصهيوني» تُستخدم كوكيل لـ«إسرائيلي/ يهودي»؟
نستخدم المؤشرات التالية لتحديد وكيل «اليهودي/ الإسرائيلي»:
عندما يتكلّم المحتوى الأساسي [كمنشور مثلاً] صراحةً عن «يهودي» أو «إسرائيلي» بينما يحتوي التعليق على «صهيوني» في سياقٍ يستهدف هجوماً كلامياً يحضّ على الكراهية دون سياق آخر متاح، فيجب عندئذٍ اعتبار المقصود [بالكراهية] هو «يهودي/ إسرائيلي» ويجب حذف التعليق. [لنلاحظ هنا أيضاً المطابقة المتعمّدة بين «يهودي» و«إسرائيلي» – المعرِّب].
فمثلاً يجب حذف التعليق: إذا كان المحتوى الأصلي يقول «المستوطنون الإسرائيليون يرفضون مغادرة المنازل المبنية على الأراضي الفلسطينية»؛ وكان التعليق هو «اللعنة على الصهاينة!»
بينما يجب عدم اتخاذ أي إجراء: إذا كان المحتوى الأصلي يقول «الحركة الصهيونية تبلغ الستين من العمر»؛ وكان التعليق «الصهاينة فظيعون، أنا أكرههم جميعاً حقاً».
وكجواب عن سؤال: هل ينبغي اعتبار الإشارات إلى الصهيوني/ا لصهاينة بمثابة وكيل لـ«يهودي/ يهود» في سيناريوهات مقارنات المحتوى المرئي أو النصي المصنَّف ضد الإنسانية حيث توجد إشارات إلى «الجرذان»؟ تجيب قواعد الفيسبوك: نعم، في هذه السيناريوهات فقط يرجى اعتبار «الصهيونيّين» كبديل لـ«اليهودي (اليهود)» وإجراء ما يلزم.
وهكذا لاحظَ النقاد أنّ أمثلةً على الغِرار الأول– التي تُساقُ لها مبرّرات متجذّرة في الإيديولوجية الصهيونية أو في سياسات الحكومة «الإسرائيلية» المتجذرة في الصهيونية– لاحَظوا بأنّها تثير لدى المدافعين عن الفلسطينيّين الخشية من أنْ تؤدّي قواعد فيسبوك هذه إلى إفساد التنديدات بهذه الانتهاكات وبسياسات الحكومة «الإسرائيلية» عبر اعتبار هذه التنديدات المحقّة «خطاباً يحضّ على الكراهية ضد اليهود»، مما يجعل من الصعب انتقاد «إسرائيل» عبر الإنترنت على الإطلاق!
قالت ديمة الخالدي، مديرة مجموعة «الإرث الفلسطيني»: «إنّ الطابع السخيف والعقيم والمُسيَّس لسياسة فيسبوك ينبغي أنْ يكون واضحاً كضوء النهار الآن، إذ إنّنا نشهدُ تطهيراً عرقيّاً مستمرّاً في القدس المحتلّة، وحرباً جديدةً على الشعب المحاصر في غزّة. المشكلة الأساسية هي أنّ الصهيونية هي إيديولوجية سياسية تبرِّر بالضبط نوع التهجير القسري للفلسطينيين، مما يجعل بعض الفلسطينيين لاجئين ثلاث مرات، والذي نراه الآن في الشيخ جراح وأحياء القدس الشرقية المحتلة الأخرى».
الاستعمار والمستعمَرون
قال النقّاد: إنّ قرار فيسبوك بالتركيز على «الصهيونية» كـ «هوية عِرقية» يلغي حقيقة أنّه يصف خياراً إيديولوجياً ملموساً ويتجاهل كيف استخدم الفلسطينيون وغيرهم هذه الكلمة في سياق تعرّضهم للقمع تاريخياً من كيان الاحتلال «إسرائيل». ووفقاً لجيليان يورك، مديرة مؤسسة Electronic Frontier Foundation لحرية التعبير الدولية والناقدة منذ فترة طويلة لممارسات Facebook الرقابية، فإنّ هذا التركيز يثبّط الخطاب السياسي والاحتجاج في جميع أنحاء العالم الذي يدّعي Facebook أنه يحميها. وقالت يورك لموقع The Intercept: (بينما تُستخدم كلمة «الصهيونية» كهوية ذاتية، إلّا أن استخدامها من جانب اليهود وغيرهم– بما في ذلك العديد من المسيحيين الإنجيليين– يوضّح أنها ليست مجرد مرادف لـ«اليهودية» كما يوحي فيسبوك. وعلاوة على ذلك، فإنّ استخدام المصطلح في المنطقة مختلف، حيث يستخدمه الفلسطينيون كمرادف لكلمة «مُستعمِر» وليس «يهودي»). وهكذا ترى يورك بأنّ سياسة فيسبوك هذه هي «أحد أشكال «الاستثنائية» الأيديولوجية حول الصهيونية»، وهي معاملة [تفضيلية] غير متاحة لهويات سياسية أخرى، مثل: الاشتراكية أو حتى «المحافظين الجدد»، وذلك «نتيجة لضغوط سياسية وغيرها».
رغم زعم Facebook عدم إزالة أيّة منشورات على Instagram حول العنف «الإسرائيلي» الأخير بناءً على طلب من الحكومة «الإسرائيلية»، فإنّ حكومة الاحتلال تقدّم بالفعل روتينيّاً مثل هذه الطلبات إلى شركة فيسبوك، وهذه الأخيرة تمتثل إليها إلى حد كبير. كما وتشارك «كتائب» من المتطوِّعين المؤيدين لـ«إسرائيل» والمنظَّمين بشكل فضفاض، ينسّق كثيرٌ منهم من خلال تطبيق الهاتف الذكي «Act.IL» في حملات الإبلاغ الجماعي التي يمكن أن تخدع بشكل أساسي أنظمة الرقابة الآلية في Facebook مما يؤدّي إلى الإشارة حتى إلى «خطاب سياسي لا عنفيّ» على أنّه «تحريض بغيض». ورفضت الشركة التعليق عندما سُئلت عن أدّلة على وجودِ حملات الإبلاغ الجماعي.
جاء انكشاف القواعد المتعلقة بـ«الصهيونية» بمثابة مفاجأةٍ لأنصار الفلسطينيين الذين يقولون: إنّ فيسبوك أوحت سابقاً بأنّ القيود على استخدام هذا المصطلح ما زالت قيد النظر داخل الشركة ولكن لم يتم تنفيذها فعلياً. قالت مروة فطافطة، مديرة سياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في Access Now: «قادنا [فيسبوك] إلى الاعتقاد بأنهم ما زالوا يفكرون بهذه السياسة ويتشاورون مع المجتمع المدني». وأشارت فطافطة إلى أنه طُلب منها تقديمُ ملاحظات حول إمكانية سياسة كهذه في عام 2020، في حين كانت الوثيقة التي تحوي القواعد الخاصة بـ«الصهيونية» ليلتزم بها المشرفون قد صدرت في عام 2019.
بعد مراجعة السياسة بنفسها، قالت فطافطة: إنها تعكس بالضبط مخاوفها، وقالت لموقع The Intercept: «الصهيونية مصطلح معقد سياسياً ويتطلب فروقاً دقيقة». «لا توجد وسيلة لفيسبوك للإشراف على مثل هذا المحتوى على نطاق واسع دون أن تعمل أنظمتها على الفوضى، وتقليص الخطاب السياسي المشروع وإسكات الأصوات الناقدة».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1018