«ذاكرة الحرير»ابتكار صيني لتخزين المعلومات وزرعها في الجسم!

«ذاكرة الحرير»ابتكار صيني لتخزين المعلومات وزرعها في الجسم!

توصل فريق تابع لمعهد شنغهاي للأنظمة الدقيقة وتكنولوجيا المعلومات، بالتعاون مع باحِثِين صينيين في جامعات أمريكية في نيويورك وتكساس، إلى ابتكار تقنية التخزين البيولوجي عالي السعة، القائم على بروتين الحرير الطبيعي لأول مرة. ويتمتع بروتين الحرير بتوافق حيوي جيد، وسهولة تثبيطه وتنشيطه الوظيفي، وبمعدل تحلل قابل للتحكم به، كوسيط لتخزين المعلومات باستخدام تكنولوجيا «الطباعة النانوية بالأشعة تحت الحمراء بالحقل القريب» كطريقة لكتابة المعلومات الرقمية. واستطاع الفريق باستخدام هذه التقنية الجديدة، النجاح بالتسجيل الدقيق والتخزين والقراءة لملفات صور وصوت، حتى الآن. وتم نشر النتائج في مجلة «نيتشر نانوتكنولوجي» العالمية في 10 آب 2020.

معهد شنغهاي للأنظمة الدقيقة
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان

مع تطور العلم والتكنولوجيا والحضارة، أصبحت الأنشطة البشرية تعتمد على المعلومات بشكل متزايد الكمية والتعقيد. ولكن شروط تخزينها تزايدت أيضاً، وتواجه تقنية التخزين على الوسائط الصلبة الحالية، المصنوعة من أنصاف الموصلات، صعوبةً متزايدة في تلبية الطلب المتزايد على التخزين. ونتيجة التكامل بين علوم الحياة وتكنولوجيا أنصاف الموصلات، نشأت أفكار جديدة لتخزين المعلومات، فظهرت تقنيات مختلفة تعتمد على الوسائط البيولوجية، كتقنية تخزين الحمض النووي عالية السعة، وتكنولوجيا التخزين على «قليلات الببتيد».

خمس ميزات لـ«الذاكرة الحريرية»

إنّ «فيبروئين» الحرير silk fibroin هو بروتين طبيعي مشتق من ديدان القز Bombyx mori، ويعتبر مناسباً تماماً كوسيط «أخضر» متوافق حيوياً. يخضع الحرير لتحولات متعددة الأشكال بمقياس نانوي عند التعرض للإلكترونات أو للحزم الشاردية (الأيونات) أو الضوء. ولطالما حظيت بروتينات الحرير بالتقدير لمتانتها الميكانيكية، وتوافقها الحيوي، وقابليتها للتحلل البيولوجي، وسهولة التشغيل، وقابلية ذوبان في الماء قابلة للضبط.
وبالتضافر بين الخصائص المتأصلة في بروتين الحرير، وطرق القراءة والكتابة السريعة عالية الدقة باستخدام تصوير مجهري خاص (سترد تفاصيله بعد قليل)، وُجِدَ أن ذاكرة بروتين الحرير تتمتع بالمزايا التالية: 1- سعة تخزين كبيرة، حوالي 64 جيغابايت على الإنش المربّع. 2- قابلية الكتابة والمحو المتكرر موضعياً. 3- يمكن أن تعمل بثبات لفترة طويلة في البيئات القاسية كرطوبة عالية تصل حتى 90%، وحقل مغناطيسي عالٍ يصل حتى 7 تسلا، أو حتى التعرض لإشعاع قوي يصل حتى 25 كيلو غراي. 4- يمكن تخزين المعلومات الرقمية الثنائية بشكل آني وربطها مباشرة بأنشطة الحياة والمعلومات البيولوجية. 5- يمكن حفظ وسيطة التخزين الحريرية هذه بشكل دائم مزروعة في الجسم الحي، ويمكن التحكم في التوقيت الزمني لتحللها في وقتٍ يحدَّد سلفاً.
المخترع الرئيس الأول لهذه التكنولوجيا هو الباحث «تاو هو»، مدير «مختبر شنغهاي لتخوم علم الأنظمة الدقيقة 2020»، والذي علّق قائلاً: «إن ذاكرة بروتين الحرير، باعتبارها تقنية تخزين جديدة عالية السعة والموثوقية، لا تستطيع فقط أداء وظيفة مشابهة للأقراص الصلبة العادية من أنصاف الموصلات. بل ويمكنها أيضاً أن توفر منصة قوية لتخزين المعلومات البيولوجية النشطة، فضلاً عن تخزين الحمض النووي البشري وعينات الدم. ويمكن التحكم في الاحتفاظ بهذا النوع من الذاكرة وبتدميرها وفقاً لتسلسل زمني محدد مسبقاً، وبالتالي تستخدم لسرّية المعلومات. بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لأنه يتم خلط ذاكرة بروتين الحرير بسهولة مع جزيئات وظيفية مختلفة للتشغيل، يمكنها أن تزيد من أبعاد تخزين المعلومات. في المستقبل، من خلال التحسين المستمر وتحسين سعة التخزين وسرعة القراءة والكتابة لذاكرة بروتين الحرير، قد تشكل هذه التكنولوجيا الجيل القادم من تقنية تخزين المعلومات عالية السعة والموثوقية».

التحدي التقني والاقتصادي لسعة التخزين

في العقدين الماضيين، تم تطوير العديد من إستراتيجيات الطباعة الحجرية lithography، بما فيها التي تستخدم مصادر الضوء فوق البنفسجي العميق، أو الأشعة فوق البنفسجية الشديدة، وأنظمة الحزمة المزدوجة، وبنى التخزين ثلاثي الأبعاد، لزيادة كثافة التخزين البصري إلى عدة مئات من الجيغابايت في الإنش المربّع. ومع ذلك، ولتحقيق دقة مكانية عالية، تتطلب العديد من هذه الأساليب حتماً إجراءات تصنيع معقدة غير مجدية من حيث الوقت والتكلفة. علاوة على ذلك، تعاني الطباعة الحجرية الضوئية التقليدية من مشكلة «حد الانعراج» diffraction limit، مما يمنع زيادة كثافة التخزين من أن تتجاوز المعيار الصناعي الحالي. في مطلع القرن 21، وصفت شركة IBM نظاماً لتخزين البيانات يستند إلى مجهر القوة الذرية AFM المسمى «Millipede»، والذي كانت لديه القدرة على تحقيق سعة تصل إلى عدة تيرابايتات في الإنش المربع، مع سرعات كتابة وقراءة عالية للبيانات، ودقة مكانية 30 إلى 40 نانومتر. ولكن على الرغم من أنّ هذا شكّل قفزة تكنولوجية، وأدى إلى مزيد من البحث حول مخططات التخزين القائمة على المسبار، إلا أن تطبيقاته التجارية لا تزال بعيدة المنال.

التغلب على «حد الانعراج»

يوفر «الفحص المجهري البصري ذي المجال القريب التشتّتي النمط»، واختصاراً s-SNOM، خياراً واعداً لتصنيعٍ نانوي عالي الدقة، خاصة على المواد اللينة، ويتيح تحقيق تصوير فائق الدقة يتجاوز حد الانعراج. تعمل الموجة المتلاشية للحقل القريب التي يولدها s-SNOM كأداة فعالة للحث على ظواهر بصرية عالية المجال محصورة موضعياً. وقد مكّن هذا من تصنيع، ومعالجة، وتوصيف الهياكل الحساسة للضوء على المستوى النانوي. على وجه الخصوص، تم استخدام الحقول المتلاشية في معالجة سمات المقياس النانوي على أسطح المواد، لتصنيع الأجهزة النانوية الضوئية وللطباعة النانوية للمواد البوليمرية. وتعد s-SNOM بالأشعة تحت الحمراء المتوسطة مناسبة أيضاً للتوصيف النانوي للمواد الحيوية التي يمكنها شلّ حركة الكيانات البيولوجية، والتفاعل معها، مثل: البكتيريا والفيروسات والإنزيمات والواسمات الحيوية. من خلال تطوير قدرات الطباعة الحجرية باستخدام هذه التقنية، والاحتفاظ بقدرات التصوير الخاصة بها، يمكن بالتالي دمج المعالجة النانوية وتوصيف المواد الحيوية الوظيفية في منصة واحدة. يمكن لمنصة الطباعة الحجرية ذات الحلقة المغلقة هذه، تبسيط التصنيع الحيوي وإنتاج مخططات تخزين قائمة على المسبار لتخزين المعلومات البيولوجية ومعالجتها.

تجربة زرع المعلومات في الجرذان

وفقاً للمقال المنشور عن هذا الاختراع في مجلة الطبيعة لتقنية النانو «نيتشر نانوتكنولوجي» كتب الباحثون: «لقد أجرينا مجموعة من التجارب في الجسم الحي لتقييم جدوى محركات الأقراص الحريرية القائمة على البروتين بشكل مغلّف في «جيب حريري». تم استخدام نوعين من محركات الأقراص الحريرية، أحدهما حرير معالَج بالتجسير المتصالب cross-linked والآخر غير معالج بهذه الطريقة، وتم تخزين البيانات عليهما. تم تسجيل رسالة نصية تقول «تم زرعه في الفئران بتاريخ 10 شباط 2020» مكتوبة بشيفرة «آسكي» ASCII الثنائية على الأجهزة المزروعة، ثم تم غرس الجهازين بعد ذلك تحت الجلد، كل واحد في جرذ من نوع Sprague Dawley. ثم تم سحبها وفحصها بعد أسبوع واحد. أظهرت الصور المجهرية أنّ الأنماط النانوية الموجودة على ركيزة الحرير المعالجة بالتجسير المتصالب بقيت سليمة، وتم استرداد المعلومات المخزنة عليها بنجاح. في المقابل، ضاعت المعلومات المخزنة بالأنماط النانوية الموجودة على الركيزة غير المُصالَبة بسبب تحللها. وهذا يؤكد فعالية الجهاز الأول (الحرير المصالَب). كما أظهرت المقاطع النسيجية أن أنسجة الجرذ المحيطة بمواقع الزرع (لكلا نوعي الحرير) كانت خالية من أية أضرار أو استجابات التهابية غير مرغوبة».

هل ستنقرض الأقراص الصلبة؟

قال البروفيسور «ليو مينجكون» من جامعة ولاية نيويورك في ستوني بروك، بصفته المؤلف المراسل المشارك بالبحث: «بالمقارنة مع الطباعة الحجرية التقليدية بالأشعة فوق البنفسجية والطباعة الحجرية بشعاع الإلكترون، فإن تقنية بصريات المجال القريب القائمة على مجهر القوة الذرية تعمل على المعالجة البؤرية الموضعية للمواد الحيوية بمقياس النانومتر. مع توفير إمكانية التركيز البؤري لضوء الأشعة تحت الحمراء على نطاق صغير جداً من خلال طرف إبرة النانو، وتعديل بروتين الحرير لتحقيق الغرض المطلوب لتخزين المعلومات وقراءتها. في وقت لاحق، يمكن دمج ذلك بشكل أكبر مع تقنية المعالجة المتوازية متعددة المجسّات ومنصة الحركة السريعة. وفي المستقبل، سيكون لديها القدرة على تحقيق كثافة التخزين وسرعة القراءة والكتابة بمستوى يضاهي جودة التخزين على القرص الصلب التجاري».

المصادر: 1- تقرير إخباري في 17 آب 2020 منشور على موقع «المؤسسة الوطنية الصينية للعلم الطبيعي» نقلاً عن «معهد شنغهاي للأنظمة الدقيقة وتكنولوجيا المعلومات». 2- المقال الأساسي عن الاختراع، المنشور في مجلة Nature Nanotechnology في 10 آب 2020، والذي كتبه فريق البحث المؤلَّف بالكامل من 9 صينيين ينتمون إلى 9 معاهد أكاديمية (6 منها في الصين و3 في أمريكا).

معلومات إضافية

العدد رقم:
981
آخر تعديل على الثلاثاء, 01 أيلول/سبتمبر 2020 13:45