أجهزة التنفس المصنعة على عجل
جيهان دياب جيهان دياب

أجهزة التنفس المصنعة على عجل

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تصنيع أجهزة تنفس ذات تكلفة منخفضة في مناطق متعددة من العالم مع تصاعد أعداد الإصابات والوفيات جراء انتشار فيروس كورونا.

بما في ذلك شركات صغيرة وجامعات ومراكز بحثية، بل وحتى على مستوى الأفراد، في جهود مشكورة لمساعدة المرضى ذوي الأوضاع الأكثر حرجاً في المشافي.
وتقوم بعض الشركات بإنتاج جهاز التنفس الاصطناعي، وهو جهاز تنفس ذو فعالية عالية يساعد الاطباء في مواجهة الالتهاب الرئوي الذي يعاني منه المرضى، ولكنه جهاز معقد الصنع، وهم حالياً ينتجون وحدات أسبوعياً بأعداد لا يمكن بأية حال أن تلبي حاجة العالم في ظل ازدياد الأعداد الهائلة من المرضى. مما استدعى الحاجة لتطوير جهاز تنفس قليل التكلفة ويمكن لأية منشأة صناعية أن تصنعه.

تصميم بسيط

تُقدم شركات أخرى جديدة على تصميم جهاز جديد، وهو عبارة عن كيس بلاستيكي ذو صمام يستخدم في عيادات العناية الطبية من قبل الاطباء الممارسين بشكل يدوي، وهي طريقة سهلة وغير مكلفة، وتعتبر أول إجراء يستخدمه المعالجون في حال كان المريض لا يمكنه أن يتنفس بدلاً من استخدام التنفس الاصطناعي الاعتيادي من الفم للفم، وكان ما أضافته هذه التصاميم الجديدة عبارة عن أذرع آلية يمكنها ضغط الكيس البلاستيكي بتردد ثابت ولفترة غير محدودة. وبالطبع يمكن إنتاج هذه الآلية بسرعة وبأعداد هائلة، ولكن أجهزة التنفس الاصطناعي ليست فقط عبارة عن مضخات تدفع بالهواء إلى رئتي المريض.

خطر الصدمة

إحدى المشاكل الرئيسية التي تواجه الأطباء حالياً هي معالجة الأثار الجانبية للتنفس الاصطناعي الآلي « الصدمة» وهي الأذية التي يسببها التغير في ضغط الهواء على الرئتين، حيث تقوم أجهزة التنفس الاصطناعي بدفع الهواء إلى الرئتين من خارج الجسد وتنتفخ الرئتان مثل البالون، وإذا لم يتم ضبط هذه العملية بشدة فقد يعمل ضغط الهواء ضد الحجاب الحاجز والعضلات ما بين وينتهي الأمر بزيادة الضغط في الحويصلات الهوائية فوق المستوى الطبيعي، مما قد يؤدي في أحسن الأحوال إلى التهاب الرئة، وفي أسوأها إلى التمزق وهذا ما يدعى «الصدمة».

تضرر الأنسجة السليمة

ليزداد الأمر سوءاً فإن الذين يعانون من متلازمة الضيق التنفسي الحاد مثل المصابين بفيروس كورونا يتعرضون لخطر المعاناة من الأثر الجانبي لاستخدام أجهزة التنفس الاصطناعية، لأن الحويصلات الهوائية مليئة بسوائل تمنع الهواء من الوصول إليها مما يجعل ضغط الهواء أعلى في الحويصلات السليمة، وآخر ما نريد الوصول إليه هو إلحاق الضرر بالأنسجة السليمة لدى مريض يعاني من أنسجة رئوية متضررة، ولتجنب ذلك يحتاج الأطباء لاختيار طريقة إعداد جهاز التنفس بعناية.
والاجراء الرئيسي لذلك هو تقليل حجم وضغط الهواء الداخل إلى الرئتين. لذلك تحتاج أجهزة التنفس الاصطناعي ذات التكلفة القليلة إلى طريقة لضبط هذه الإعدادات. ولكن تصاميم كهذه لا تحتوي على هذه الإمكانية، ومن المحتمل أن يكون ضررها أكثر من فائدتها، ويبدو أن مصممي هذه الأجهزة لم يكلفوا أنفسهم عناء الاطّلاع على هذه التفاصيل.

تصاميم جامعية

تقدم بعض الشركات الكبرى هذه التصاميم كمنتج حصري لها، ومن الواضح أنهم لم يقوموا بأي بحث عما يحتاجه المرضى من جهاز التنفس الصناعي، وقاموا بتصميمه بأقصى سرعة لينشروا الجهاز كحل لمواجهة الداء دون أن يهملوا وضع علامتهم التجارية في الفيديوهات التي تشرح طرق عملهم.
إن التصميم السابق الذي اقترح استخدام جهاز التنفس الاصطناعي يعتمد على مشروع جامعي منذ العام 2010. وهذه الدراسة كانت متاحة على المواقع الإلكترونية منذ ذلك الوقت. وقد أهملت الشركات أفكاراً ذكية للتصميم كانت ستجعله أكثر فاعلية، حيث يتضمن التصميم مقياساً للتنفس يمكنه قياس معدل تدفق الهواء الخارج من الجهاز وبتكامل هذه القيمة يمكن حساب حجم الهواء المستهلك، وهذا يمكن أن يضاف إلى جهاز ضبط يحدد شدة الضغط على الكيس البلاستيكي للجهاز لتبديل حجم الهواء المستهلك، وهو تصميم أفضل، وقد يكون نافعاً في الحالات الاضطرارية القصوى رغم أنه ليس كاملاً، حيث يعاني من بعض المشاكل، فهو مصمم ليقوم بتنفس ترددي لينفذ من 5-30 نفس خلال الدقيقة الواحدة مما يجعل التنفس إجبارياً، وتقرره الآلة كاملاً، وسيأخذ المريض النفس سواء أراده أم لا، وهذا ليس مريحاً ويتطلب أن يكون المريض مخدراً لدرجة الشلل، وقد يسبب الصدمة أيضاً في حال قاوم الحجاب الحاجز والعضلات الشهيق ما بين الأضلع، ويتطلب النظام الدقيق لحجم الضغط وضبط نسبة الأكسجين والرطوبة آليات أكثر تعقيداً من مضخات التنفس الاصطناعي تلك.

هل من كوادر مؤهلة؟

ما نحتاجه فعلاً الآن الأطباء والممرضين المؤهلين لاستخدام هذه الأجهزة بشكل صحيح، ولكن هؤلاء يتطلب إعدادهم وقتاً طويلاً من الزمن.
وهذا يفتح مجدداً قضية حقوق الملكية الفكرية التي تجعل الشركات الكبرى تحتكر التصاميم، وتستغل أزمة كهذه من أجل تحقيق أكبر نسب ربح ممكنة بالاستفادة من الكارثة الصحية التي تجتاح العالم، دون أي نظر لضرورة جعل التصاميم مفتوحة حتى تتمكن كل المصانع القادرة على إنتاجها من تغطية الطلب المتزايد والآني عليها، بل تترك تصاميم الهواة في المواقع الجامعية مفتوحة، وهي التي لا تتمكن من تغطية الاحتياجات الطبية الأساسية في المستشفيات اللازمة لمرضى هذه الجائحة ولأية ضرورات أمراض تنفسية أخرى في المشفى، بل تشكل خطراً إضافياُ على المرضى الذين هم أساساً في وضع حرج لا يتحمل المزيد من الضغوطات والأخطار.
إن دعوة عالمية لفتح مصادر المعلومات العلمية الأساسية لمواجهة هذه الخطر وغيره من الأخطار تبدو اليوم أكثر إلحاحاً. لإنهاء حالة الجشع الرأسمالي التي تضع الربح في قائمة الأولويات، حتى لو كان ذلك على حساب حياة البشر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
963
آخر تعديل على الخميس, 11 حزيران/يونيو 2020 17:17