من دروس الحركة الشعبية مجدداً تمايز الاتجاهات السياسية في الحركة الشعبية
محمد المعوش محمد المعوش

من دروس الحركة الشعبية مجدداً تمايز الاتجاهات السياسية في الحركة الشعبية

بعد عقود من كمون الحركة الشعبية عادت الحركة لتتصاعد في العقد الماضي على ضوء تفاقم أزمة النظام الرأسمالي عالمياً، في المركز والأطراف على السواء. وعودة الحركة الشعبية في هذه المرحلة التاريخية تحمل فيها ملامح كل التطور السابق والتحولات التي طرأت على النظام الرأسمالي على كل المستويات. ولهذا فإن الحركة تمتاز بملامح تاريخية عامة نابعة من الانقسام الطبقي في المجتمع الرأسمالي والتناقضات التي تحكمه، ولكن لها من الملامح الخاصة النابعة من الجديد التاريخي نفسه. وهذه الملامح العامة والخاصة على السواء تشكّل أيضاً الإتجاهات السياسية ضمن الحركة الشعبية نفسها التي تتمظهر بشكل مكثف عبر التيارات السياسية التغييرية، التي تضم فيها مختلف التوجهات ومناهج العمل. فما هي هذه الاتجاهات السياسية العامة في الحركة الشعبية اليوم؟ ولبنان قد يشكل مثالاً.

في تمايز الاتجاهات

إنَّ التمايز في الاتجاهات السياسية للقوى التي تطرح نفسها في موقع التغيير، هو في العمق تمايز يرتكز على البنية الطبقية نفسها، والتناقضات التي تحكمها في كل مرحلة تاريخية. وإذا عدنا مثلاً إلى مئة عام مضت، كان هناك تيارات رئيسة ضمن القوى التي تطرح التغيير: التيار الليبرالي عامة من جهة، والتيار «الثوري» من جهة أخرى. والنقد الماركسي تجاه التيار الليبرالي تاريخياً تركّز على إلاصلاحية السياسية الفوقية لليبرالية، أي في كونها لا تمس جوهر النظام الرأسمالي بالتغيير، ولا حتى تطال المستوى الاقتصادي فيه. والتيار «الثوري» على العكس طرح تغيير النظام باختلاف الموقف من هذا التغيير، ولكن هذا التيار أيضاً تمايز ضمن تيارات تراوحت بين الفوضوية والإقتصادية والمغامرة والماركسية اللينينية.

تطور التمايز تاريخياً

هذا التمايز مع التطور التاريخي، أي في وصول الرأسمالية إلى ارتفاع حدة تناقضاتها ووصولها إلى حدودها التاريخية، نقل التيار الليبرالي من تيار يطرح تحولات سياسية إلى تيار رجعي بالكامل. فعمق الأزمة الرأسمالية وتسارعت حدة انفجارها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستنفاذ الرأسمالية لهوامش تطورها بحيث صارت مدمرة للبشرية والطبيعة، هو ما أفقد الإصلاح مكانه وهامشه التاريخي، وأعطاه بعده الرجعي، وهو ما يظهره وقوع القوى االسياسية الليبرالية اليوم في دولنا في حضن الاستعمار والصهيونية غالباً. ولهذا فإن الليبرالية اليوم تفتقد إلى الأساس الموضوعي والتاريخي لفعاليتها السياسية جماهيرياً في دولنا تحديداً، الدول التي انفجر فيها النموذج الرأسمالي التبعي في لحظة تفترض أن أي تقدم أو بقاء للمجتمعات فيها لا بد من تغيير جذري وعميق، والتراجع الحاد الذي طال حاملها الطبقي أي البورجوازية الصغيرة والمتوسطة وانحدارها الاجتماعي. هذا الظرف التاريخي أيضاً أضعف موطئ القدم التاريخي للتيار الاقتصادي نفسه، أي المستند إلى الإصلاح الاقتصادي، وخصوصاً في ظل الدمار الذي طال القطاع الاقتصادي الإنتاجي ونهش الفساد بنية الدولة والمجتمع.
وفي المقابل، وللسبب نفسه الذي أفقد الليبرالية السياسية والإصلاحية الاقتصادية موطئ قدمها التاريخي، أي اشتداد الأزمة الرأسمالية نفسها وتعفّن مستويات المجتمع ككل، وانغلاق الأفق التاريخي للرأسمالية، فإن اتجاه آخر قد تعاظم حضوره التاريخي، أي التيار الفوضوي والمغامر. فتسارع حدة الأزمة، والليبرالية التي عطلت حضور الوعي السياسي المنظم وخلقت عداء بين القوى الاجتماعية الواسعة وبين العمل السياسي وشيطنته، وعزلت القوى الاجتماعية عن فكرة التغيير لفترة من الوقت امتدت عقوداً، كل هذا ساهم في رفع حضور التيار الفوضوي والمغامر، محمولاً على حدة النقمة المرتفعة والأزمة المتسارعة. وهذا التوسع لا ينحصر في مجموعات خاصة «ناشطة»، بل إن ملامح هذا التيار عامة جماهيرياً، إذا ما أخذنا دور التقدم في الوعي السياسي الذي حصل في النصف الثاني من القرن الماضي. هذا التقدم في الوعي السياسي الذي هيمنت عليه الرأسمالية عبر أدوات هيمنتها الجديدة على الوعي، وتعميم فكرة التمرد الفرد الفضوي نفسه (فيلم «الجوكر»- المهرج، كمثال بارز). ترافق هذا مع تراجع القوى الحزبية الثورية المنظمة من جهة، ومن جهة أخرى تفكك القوى الاجتماعية وتشتتها القطاعي، وتعاظم حجم المعطّلين عن العمل، وتعاظم هامش قطاع الخدمات، والأهم الدور التفكيكي والتفتيتي في الوعي السياسي الذي لعبته المنظمات غير الحكومية المدعومة من الغرب (مراجعة «عن وحدة النظرية والممارسة»- قاسيون 942).

الاتجاهات الأكثر فاعلية اليوم في الحركة الشعبية

يمكن القول اليوم إن الاتجاهات الأساسية في الحركة الشعبية بشكل عام تؤثر عليها بشكل كبير الاتجاهات المغامرة والفوضوية والطفولية- المراهقة، والتي لا تعتمد فقط أسلوباً تبسيطياً في طرح مسألة التغيير وأدواته، والتي تنحصر في أشكال الاحتجاج الجسدي المباشر غالباً، بل هي تقدم طرحاً سياسياً عدمياً أيضاً. هذا الاتجاه الذي يلغي دور العوامل السياسية الفوقية عالمياً وداخلياً، ويماثل ما بين أطراف التناقضات التي تحرك النظام العالمي ككل، وينفي دور هذا العامل وتأثيره على عملية التغيير في كل دولة على حدة. وهذا التيار تجريبي بشكل كبير. دون أن يعني ذلك أنَّ الاتجاهات الليبرالية والاقتصادية لا تفعل فعلها، ولكنَّ تأثيرها يتداخل مع التيارات المذكورة (المغامرة والفوضوية والطفولية- المراهقة) ويعمل بالنهاية لصالحها (خصوصاً دور الغرب في الدفع نحو الفوضى وتصعيد وتيرة العنف)، وذلك لأنَّ الفاعلية التاريخية الأكبر هي لصالح هذه التيارات الأبرز. ولا تزال تجارب الحركات الشعبية ماثلة أمامنا من مصر إلى لبنان.

تعظيم دور القوى الماركسية- اللينينية

ما سبق يتطلب ضرورة رفع وزن الممارسة العلمية الماركسية- اللينينية في الحركة الشعبية. وإلَّا فإن الحركة الشعبية في عفويتها ستنساق في الاتجاه السائد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
944
آخر تعديل على الأربعاء, 18 كانون1/ديسمبر 2019 13:39