كُسوف الشمس... هل أثبتَ نظرية أينشتاين؟

كُسوف الشمس... هل أثبتَ نظرية أينشتاين؟

منذ أيام قليلة حدث كُسوف كُلّي للشمس (2 تموز 2019)، والكّسوف هو عندما يمرّ القمر بين الأرض والشمس حاجباً ضوءها جزئياً أو كُلّياً. وهو حدث فلكي ليس قليل التواتر: في القرن العشرين لوحده حدث 228 مرة (منها 71 كسوفاً كاملاً) أشهرها كسوف 1919 الكامل الذي رصده الفلكي البريطاني إيدينغتون وقدّم نتائجه على أنه دليل قاطع على صحة النسبية العامة لأينشتاين، لأن أينشتاين كان قد تنبّأ وفقاً لحسابات نظريته بمقدار زاوية انحراف مسار الضوء الوارد إلينا من نجم بعيد أثناء اقترابه مماسيّاً من الشمس.

تقدم هذه المادة لمحة مختصرة عن جزء من الوثائق العلمية والتاريخية التي تخالف تأكيدات إيدينغتون، وتقع ضمن إطار الفكرة العلمية العامّة التالية:
«التأثير الذي يكون قد سبق وَصفُه من نظريات سابقة، لا يمكن أن يُزعَمَ لاحقاً بأنه ملكٌ حصري لنظريةٍ ظهرت فيما بعد. والإثبات التجريبي لذلك التأثير ليس إثباتاً قاطعاً للنظرية المتأخرة».
ترد هذه الفكرة في «كتالوغ أخطاء نظَرِيَّتَي النسبية»، ضمن مجموعة وثائق أصدرها أحد أكبر المشاريع العلمية النقدية لنسبية أينشتاين، المعروف بـاسم G. O. Mueller Project كمجهود مؤسساتي مركزه في ألمانيا مع متعاونين من بلدان أخرى، لجمع وتصنيف الأعمال العلمية الناقدة للنظريتَين. ووفقاً للمشروع تم جمع 3789 عملاً ناقداً تعود لفترات مختلفة بين 1908 حتى 2003، وما زال مستمراً. مِنصّته الأساسية موقع الإنترنت kritik-relativitaetstheorie.de
بالنسبة للتأثير الموصوف «انحراف الضوء» light deflection الذي سجّله إيدينغتون أثناء الكسوف، يذكر الكاتالوغ بأنّه سبق أن تمّ وصفه عام 1801 من «يوهان سولدنر» Johann v. Soldner الذي قام بحساب مقدار زاويته أيضاً.
ويكتب ثايمر (1977، ص142) بأنّ «انحراف الضوء الثقالي [بفعل الجاذبية] سبق أن تنبّأ به نيوتن بقيمة تساوي نصف القيمة التي تنبّأ بها أينشتاين. وفي 1911 كانت القيمة الرقمية لدى أينشتاين ما زالت هي نفسها قيمة سولدنر. ولم يغيّرها أينشتاين إلى ضِعف هذه القيمة حتى العام 1917».
تلقى لينارد P. Lenard لأول مرة تنويهاً بوجود منشور سولدنر العائد لعام 1801 فقام بإعادة نشره في المجلة الألمانية «حولية الفيزياء» Annalen der Physik عام 1921. وسجل لينارد في تمهيده أنّ سولدنر ومن دون فرضيات النسبية العامة، كان قد حسب انحراف الضوء الثقالي، ووجد قيمة تتفق مع نتائج الملاحظات التجريبية الرصدية لكسوف الشمس عام 1919.
ويتابع الكاتالوغ نقلاً عن ثايمر: كان سولدنر يعتقد بأن الضوء الوارد من مادّة ساخنة يملك هو نفسه خصائص مادّية، وبالتالي فإنّه يتأثر أيضاً بالجاذبية. ولكن هذا الرأي طواه النسيان في القرن التاسع عشر بسبب سيطرة النظرية الموجية للضوء. وسولدنر قام باكتشافاته من دون مساعدة النظريتين النسبيتين الخاصة والعامة وتصوّراتهما عن المكان والزمان. ولاحظَ ثايمر، كتعميمٍ للفكرة التي تنطبق على نسبية أينشتاين: «إنّ نظريةً شائكة ذات مزاعم بعيدة المدى وليست ضرورية أبداً لاشتقاق نتيجة معيَّنة، لا يمكن إثباتها بواسطة التحقق التجريبي من تلك النتيجة». وأنه بهذه الحالة ستكون النظرية «مصطَنَعة فقط ومربوطة ظاهرياً بالنتيجة».

النسبية العابرة للطّيف الأيديولوجي

كما يبين تاريخ العلم، ورغم أنه لا يوجد عموماً أو دائماً تطابق مباشر أو ضروري بين الميول الأيديولوجية أو الدينية أو السياسية للعالِم وبين نتاجه العلمي. وربما تعتبر ظاهرة أينشتاين مثالاً على ذلك، ويمكن إيجاد كثير من الأمثلة على الظاهرة التالية التي يلاحظها الكاتالوغ على حقّ، مع عدم التعميم المطلق طبعاً، وهي أن: «النسبويّين [أنصار نسبية أينشتاين] كثيراً ما يلجؤون إلى التشهير بالنقّاد بأنهم إما معادون للسامية، أو نازيّون، أو ستالينيّون، أو معادون للشيوعية». وبالفعل ممارسات كهذه موجودة لدى النسبويين من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وحتى في الاتحاد السوفييتي مثلاً، رغم سيطرة النسبويين، وبروز علمائها، مثل: فريدمان وفوك ولانداو، لكن لم يخلُ الأمر من نُقّاد مثل: ماكسيموف.
إلّا أنّ هذه العوامل الاجتماعية السياقية، قد تساعد أحياناً في فهم بعض الملابسات. يسجل الكاتالوغ مثلاً: انزعاج بعض النسبويّين من إعادة طبع ونشر عمل سولدنر عام 1921، إذ اعتبروه تشهيراً بأينشتاين. وربما ساعدتهم واقعة أن الناشر لينارد، وبعد سنة من ذلك، ولأول مرة في مجلة فيزيائية، كتب تعليقات «معادية للساميّة»، ويبدو أن بعض النسبويين المتعصبين استغلّوا هذا الأمر لدفن تاريخ عمل سولدنر لفترة طويلة.

إيدينغتون وكسوف 1919

يوثّق الكاتالوغ ملابسات رصد الكسوف الذي جعل أينشتاين مشهوراً:
قامت البعثة البريطانية في ١٩١٩ إلى جزيرة برينسيبي (الإفريقية) وسوبرال (البرازيل) بتصوير مواقع النجوم القريبة من الشمس المكسوفة. وبالمقارنة مع الصور التي تم التقاطها من نفس مواقع النجوم بغياب الشمس، تم التحقق لاحقًا مما إذا كانت مواقع النجوم قد تم إزاحتها عن طريق انحراف مسار الضوء قرب الشمس. في اجتماع عُقد في السادس من نوفمبر عام 1919، أعلن إدينغتون، قائد هذه الحملة الاستكشافية، أنه تم تأكيد انحراف أشعة الضوء التي تم حسابها مسبقًا بواسطة ألبرت أينشتاين. منذ ذلك الحين، وحتى يومنا هذا، يؤكد النسبويّون أن هذا التأكيد يثبت بشكل رائع صحة النظرية بأكملها.

تحليلات نقدية

يلخص الكاتالوغ أهم النتائج النقدية لمَن حللوا نتائج إيدينغتون 1919:
(1) لخَّص G.B. Brown في عام 1956 (ص 630): «ولكن الأسوأ ... هو الميل لتجاهل الحالات المخالِفة. لقد شكلت الأمثلة الاستثنائية لإيجاد ما هو متوقَّع، المحاولات المبكرة لإثبات صيغة «انحناء الضوء» بواسطة الشمس. عندما تم فحص صور الكسوف، لوحظ أن بعض الصور النجمية تحرّكت نحو الشمس! أي عكس ما كان متوقعاً من النسبية، والبعض الآخر قد تحرك جانبياً. بالكاد تحركت أية صورة نجمية بشكل شعاعي. ورغم ذلك لم تؤخذ بعين الاعتبار سوى المكونات الشعاعية؛ فقد تم اعتبار المكونات المماسيّة الأخرى، على الرغم من سعتها المماثلة، مجرد أخطاء عرضية وتم تجاهلها، وتغيرت الانحرافات الوسطية المقيسة بشكل ملحوظ أثناء مرور ظل القمر، وكذلك الاتجاهات الوسطية أيضاً.
وعلاوة على ذلك، فإنّ صيغة أينشتاين التي تحسب تباين الانحراف مع تغير المسافة عن الشمس [أي إحدى الصيغ التي يفترض البرهان على صحتها] تمّ استخدامها بالفعل في تحديد «محتويات المقياس» scale contents للألواح الفوتوغرافية، والتي منها تم اشتقاق الانحرافات التي كان من المفترض أن تثبتها. وبمساعدة هذا الإجراء تم الحصول على النتائج التي اعتُبرَت «متوافقة تماماً مع متطلبات نظرية أينشتاين». في هذه الأيام، الاعتبارات النزيهة عموماً تُقرّ بأنّ ذلك التنبّؤ لم يتمّ إثباته».

معلومات إضافية

العدد رقم:
921
آخر تعديل على الإثنين, 08 تموز/يوليو 2019 14:16