على الناس التوقف عن الإعجاب بالغرب الإمبريالي
يتساءل المفكر والروائي الأمريكي أندريه فلتشيك عما يجري في البلدان التي تضررت وتدمرت وسُرقت بالكامل من قبل الغرب، حيث لا يزال كثيراً من الناس يعشقون أوروبا وأمريكا الشمالية.
ترجمة وإعداد: رامان شيخ نور
وهل فكرت يوماً في احتمال أن يكون كل شيء أخبرتك به وسائل الإعلام عن العالم من قبل مجرد كذب وافتراء؟ أنا متأكد من أن لديك، على الأقل في المدة الأخيرة، بعض شكوك بعدما أصبح جنون البروباغاندا الغربية واضحاً لا يكاد يخفى على أحد. لكن ماذا عن مدى التلقين الذي تعرضت له على أيدي وسائل الإعلام تلك عبر السنين؟
وإذا كنت تعيش في أوروبا أو أميركا الشمالية، فما مدى تلوّث أفكارك بسبب كم الأكاذيب الهائل عن كوبا وفنزويلا وروسيا والصين وكوريا الشمالية، ونعم حول إيران أيضاً؟ هل أنت حالة ميؤوس في تخليصها من تلك السموم؟ إذا رأيت الحقيقة أو إذا واجهتك الحقيقة، فهل ستظل قادراً على إدراكها، أم ستعتبرها دعاية وأكاذيب لأنها تخالف ما تجرعته عبر السنين؟
ولسنوات، يقول الكاتب: كنت أراقب هذه «الظاهرة»، حتى في أكثر مناطق الحرب والمدن الفقيرة المدمرة. وكثيراً ما صدمت، ولم أكن أعرف كيفية الرد، وكيفية التصرف، وكيف أصف ما كنت أراقبه!
ففي سورية، وبجوار ساحة معركة إدلب القريبة من المواقع القاتلة لجبهة النصرة، في بلد حيث قتل الغربُ وحلفاؤه مئات الآلاف من الناس، صرخ أحد المترجمين: «انظروا كم هي جميلة هذه الأرض! إنها جميلة مثل أوروبا!»
هل نتعامل مع ما يسمى «متلازمة ستوكهولم» هنا؟ على الأرجح نعم. الإنسان يقع في حب معذبه.
ولقرون طويلة، كان الغرب يستعمر، ويغتصب، ويقوم بترويع الكوكب بأكمله، ولقد مات مئات الملايين نتيجة الاستعمار والإمبريالية.
وإن أوروبا وأمريكا التي نعرفها قد بنت المؤسسات الثقافية والتعليمية، والمستشفيات، والنقل، والحدائق التي تتفاخر بها، على جماجم الشعوب والنهب المطلق.
فالعبودية والقتل الجماعي والتّوسع في الإبادة؛ والنهب، هي من عززت الغرب، فقام بتعزيز قوته من خلال غسل أدمغة تحت مسمى (التعليم)، والدعاية تحت مسمى (المعلومات)، والترفيه المنحرف للجماهير التي تسكن الدول الفقيرة تحت مسمى (الثقافة والفنون).
ومما يثير الصدمة والسخف: أن أوروبا وأمريكا الشمالية لا تزال محبوبة من قبل الكثيرين، وبشكل خاص في الأماكن التي عانى منها سكانها من استغلال واضطهاد الغرب، تاركة للسكان المحليين فقط الأرض المحروقة والسموم والأحياء الفقيرة البائسة.
يتحدث الكاتب عن سنوات عمله في إفريقيا، ويقول: إنها قارة خضعت بالكامل من قبل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وبلجيكا ودول أوروبية توسعية أخرى، وتم جلب ملايين البشر من هناك مقيدين بسلاسل وعاملوهم كعبيد.
فنهبوا كامل مواردها، وعرضوا شعبها للإذلال الذي لا يمكن أن تخيله أي إنسان، وأبادوا ثقافتها، ومارسوا عمليات الإبادة الجماعية ضد السكان المحليين في ناميبيا، إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ومع ذلك، فإن العديد من الأفارقة يرون الغرب على أنه «مثال» عظيم.
فأعظم الكتاب الأفارقة يدرسون الآن في جامعات الولايات المتحدة وجامعات المملكة المتحدة، ويرتدي القضاة الأفارقة الشعر المستعار الأبيض الكوميدي، ويبذلون قصارى جهدهم ليبدوا مثل نظرائهم البريطانيين.
في ولاية يوكاتان المكسيكية، مباشرة بعد الانتخابات التي جلبت الرئيس اليميني أوبرادور إلى السلطة، سمعتُ محادثة لأكثر من عشرة من ربات البيوت من الطبقة الراقية في مقهى، كان حديثهن بالكامل عن أوروبا وأمريكا الشمالية: من الإجازات في إيطاليا وإسبانيا، إلى الأفلام التي كُنّ يشاهدنها، والكتب التي كن يقرؤنها.
يؤكد فلتشيك على أن الصين، على سبيل المثال، كان كل شيء لديها تقريباً «غربي» وإن أي شيء «ضد الغرب» كان يعتبر مملاً، ورمادياً وعفا عليه الزمن، مرتبطاً بطريقة ما بـ «الدعاية الشيوعية» (حقيقة أن «الدعاية الشيوعية» كانت في الغالب صحيحة، ولم تكن تهم شيئاً).
وبحسب الكاتب سمح هذا الموقف بحصول تسلل كبير إلى الجامعات الصينية من قبل الأكاديميين الغربيين، وكذلك حقن العدمية الغربية في الفنون والثقافة الصينية، وحتى أسلوب الحياة. في الآونة الأخيرة فقط، تم عكس هذا الاتجاه الخطير، ولكن ليس قبل أن تسبب بالفعل في أضرار كبيرة.
ويلفت الكاتب، إلى أن قوة الدعاية الغربية المعبأة مع تعزيز الفردية المتطرفة والأنانية والنزعة الاستهلاكية، قضت حرفياً على كل الحماسة الموجودة في العالم والإنسانية والمبادئ العليا، من عقول عشرات الملايين من التشيكيين الشباب والبولنديين والألمان الألمان والبلغار، حتى السوفييت.
ويشير الكاتب إلى أنه وبعد التفاعل مع آلاف الأشخاص في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأوقيانوسيا وأمريكا اللاتينية، توصل إلى استنتاج مفاده: أنّ الغرب غالباً ما يتم الإعجاب به «لمستوياته المعيشة العالية».
وإن الإعجاب بهذا النظام العالمي الوحشي والرجعي سيكون بمثابة الإعجاب بترتيب المجتمعات الأوروبية منذ حوالي ثلاثمائة سنة. سيكون الأمر أشبه بقول: «انظروا، الطبقة الأرستقراطية في فرنسا أو إنجلترا كانت في الواقع جيدة، ومتكافئة، ومثقفة وصحية، وعلينا أن نتعلم من كيفية عيشهم، ونصبح نسخة طبق الأصل عنهم».
من أجل أن ينجح الغرب في الحفاظ على مستوى عالٍ من المعيشة، مع كل المزايا لمواطنيه، يجب أن يعاني مليارات من «الأقنان» في جميع أنحاء العالم، وأن يضحوا بأنفسهم.
يجب أن يحكم الناس من قبل الأوليغارشية الفاسدة الموالية للغرب، ومن قبل القادة العسكريين والدينيين. فدول الخليج العربي وإندونيسيا والبرازيل الآن بلدان مثالية للغرب: فهم يضحون بفرح وسرور بشعبهم، مما يضمن الازدهار الغربي.
ويرى الكاتب: أن نظرة الغرب بأنه كلما كانت البلدان الأخرى «العالم الثالث» أكثر فقراً، فإنه يعيش حياة رغيدة أشبه بالجنة.
وبصراحة وأمانة، لقد تعبت من هذا الوضع الراهن: «نّ الاستماع إلى الإعجاب بتصريحات عن دول أوروبية ودول غربية أخرى في وسط مناطق الحرب الوحشية، والمناطق المنكوبة بالمجاعة، والألغام الوحشية، على ضفاف الأنهار المسمومة وداخل الأحياء الفقيرة».
ويجب أن تعرض جرائم المستعمرين، ويجب تعريف الترتيب المجنون للعالم ثم تحطيمه إلى قِطَعٍ.
إنهم يكرهوننا، يكرهون أولئك الذين يقاومون، ولكننا سنقاوم على أمل أن تكون الحقيقة واضحة بما فيه الكفاية.
الموقع:countercurrents.org
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 905