كيف صادر الأمريكيون الاكتشافات الجيولوجية؟

نظرية الإنجراف القارّي
كان الجغرافي ورسام الخرائط الفلمنكي أبراهام أورتيليوس أول من افترض أن القارات يمكن أن «تتزحزح»، وذلك سنة 1596، وتحدث آخرون عن هذه الأفكار مثل: أنطونيو سنيدر بيليغريني عام 1858، إلى أن وضع العالم الألماني ألفريد فيغنر نظرية الإنجراف القاري عام 1912 عندما اكتشف تطابق سواحل إفريقيا مع سواحل أمريكا اللاتينية.
نشر أرخانغلسكي وشاتسكي أول مخطط تكتوني صغير النطاق للأراضي السوفييتية والأوروبية سنة 1933، وبدأ المعهد الجيولوجي في أكاديمية العلوم السوفييتية وبمبادرة من شاتسكي بوضع الخرائط التكتونية الواسعة، فظهرت أول خارطة تكتونية للاتحاد السوفييتي 1953، والخريطة التكتونية لأوروبا 1962 بإشراف شاتسكي وبوغدانوفا وموراتوفا، ونشر أول أطلس تكتوني للعالم عام 1964، والخريطة التكتونية لأوراسيا بإشراف يانشين، والخريطة التكتونية للمحيط الهادي عام 1970 وغير ذلك.
كان اكتشاف الصفائح التكتونية ثورة في عالم الجيولوجيا، واعترف الغرب الرأسمالي بنظرية الصفائح التكتونية عام 1960، ولكن ما تزال مؤسساته الجيولوجية تُغيب الاكتشافات السوفييتية حتى اليوم في هذا المجال، والتي سبقته بثلاثة عقود.
«1- تاريخ المعهد الجيولوجي في الاتحاد السوفييتي، تطور المعهد ومدارسه العلمية، موسكو 1980، ص 78-80.
2- فيكتور آفيموفيتش خاين، الجيولوجيا الحديثة، المشاكل والآفاق، المجلة التعلمية العدد الأول 1996، ص 26-33، جامعة لومونوسوف الحكومية في موسكو».
حركة الصفائح التكتونية
تدرس نظرية الإنجراف القارِّي حركة الصفائح التكتونية التي تشمل مجموعة من الحركات المكانية الكبرى لغلاف الأرض الصخري البالغ سمكه حوالي 100 كم، وتغلفه طبقة تسمى «غلاف موري» المكون من صخور لدنة مصهورة جزئياً. حسب هذه النظرية ينقسم الغلاف الصخريّ إلى سبع لوحات أو صفائح قارّية ومحيطيّة كبيرة الحجم، بالإضافة إلى ستّ أو سبع صفائح إقليميّة مُتوسِّطة الحجم، وعدّة لوحات صغيرة، وهكذا فهناك الصفيحة الأوراسية والهندية والعربية والأسترالية والإفريقية والأمريكية الشمالية والكاريبية والأمريكية الجنوبية والنازكية والسكوتية والقطبية الجنوبية والفيليبينية وصفيحة كوكوس وصفيحة خوان دي فوكا. وتتحرَّك هذه الصفائح إمّا مُبتعِدة، أو مُقترِبة، أو مُنزلِقة بالنسبة إلى بعضها البعض، بمُعدَّل حركة من 5 إلى 10 سم في السنة.
تتحرك هذه الصفائح في حركة تباعدية وتقاربية وتحويلية، حيث تتباعد صفيحتان أو أكثر في الحركة التباعدية، أو تتقارب صفيحتان أو أكثر في الحركة التقاربية، وتنزلق الأجزاء المزاحة عن بعضها في صفيحتين أو أكثر في الحركة التحويلية. ونتج عن حركة الصفائح تشكل قارات الأرض الحالية ومحيطاتها وبحارها وجبالها.
وتخبرنا العلوم الجيولوجية، كيف كانت خريطة الكرة الأرضية قبل 500 مليون سنة، وكيف ستكون بعد 100 مليون سنة، وذلك عبر إسقاط المعدل السنوي لحركة الصفائح حالياً مضروبة بعدد السنوات، وعبر حساب اتجاه حركة الصفائح.
التفكير العلمي بين الشرق والغرب
برهن علماء الاتحاد السوفييتي على نظرية حركة الصفائح التكتونية منذ ثلاثينات القرن العشرين كأحد إنجازات المعهد الجيولوجي في أكاديمية العلوم السوفييتية، بينما اعترف الغرب بوجودها عام 1960 ونسب الأمريكيون هذا الاكتشاف العلمي إلى أنفسهم متجاهلين 30 عاماً من الاكتشافات وعمل العلماء السوفييت في هذا المجال.
أما المؤلفات السوفييتية، فلم تتعامل مع الموضوع بعقلية إقصائية، بل قدرت دور العلماء غير السوفييت في أوروبا الغربية الذين كتبوا الأفكار الأولى لحركة الصفائح التكتونية أو الذين طوروا العلوم الجيولوجية حتى أوائل القرن العشرين، وجاءت الاكتشافات السوفييتية تتمة لمشوار من سبقهم. ويكشف لنا ذلك طريقة التفكير العلمي في الاتحاد السوفييتي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية.
كما نشطت المؤسسات العلمية والإعلامية الأمريكية بنشر مقالات ومواد تتحدث عن قمع مزعوم لعلوم الجيولوجيا في الاتحاد السوفييتي، وحاول الأمريكيون الهيمنة على العلوم الجيولوجية في العالم عن طريق المجمعات والاتحادات العلمية الأمريكية، التي لم يحصل العلماء السوفييت على عضويتها، وبالتالي يجب الحط من قيمة ما أنجزه الاتحاد السوفييتي في مجال العلوم الجيولوجية، من اكتشاف حركة الصفائح التكتونية عام 1930، إلى اكتشاف عمل المادة العضوية في الجيولوجية عام 1950، ومؤلفات البروفيسور كيدروف عام 1962 وغير ذلك.