متى كان العلم شرقياً أو غربياً إلا في ظلامات الفكر؟

متى كان العلم شرقياً أو غربياً إلا في ظلامات الفكر؟

في ندوة حول اللغة العربية والبحث العلمي نشرت في جريدة النداء عام 1979 شارك فيها أربعة من أساتذة الجامعة اللبنانية من بينهم مهدي عامل، اعتبر مهدي أن مشكلة اللغة العربية في العلوم هي مشكلة الباحث، وليست مشكلة اللغة في كون الباحث إما غير متمرس في اللغة أو العلم أو الفكر، ناقداً الفصم بين ثقافة غربية وثقافة شرقية في العلم، مشدداً على رفض ازدواجية العلم المصَدَّر والعلم المستهلك الذي يقع فيه محاولوا التطرق إلى العلوم.

متى كان العلم شرقياً أو غربياً إلا في ظلامات الفكر؟
 يحاجج مهدي عامل في علاقة اللغة العربية والبحث العلمي بـ «متى كان العلم شرقياً أو غربياً إلا في ظلامات الفكر؟»، منطلقاً من علاقة اللغة بفكر حامليها، معترضاً على تحديد مشكلة اللغة العربية عند الباحثين العرب في سيطرة الإنتاجية العلمية في الغرب والتخلف العلمي العربي، ومعتبراً أن المشكلة هي مشكلة الفكر العربي وعلميته.
من يقرأ مهدي عامل أو من  يعلم منطلقاته الفكرية، يستنتج أن مهدي ربط مشكلة اللغة العربية والبحث العلمي بالسيطرة السياسية والنظام السياسي الذي يقوض الفكر فيقوض لغته وقدرته على التعبير. لذلك رفض مهدي صراع تأثير الثقافة الغربية والثقافة الشرقية على تقدم العلم أو على قدرة التعبير فيه. معتبراً أن التقدم بالعلم والقدرة على التفكير والكتابة العلمية لا تحتاج إلى لغة للتعبير بقدر ما تحتاج إلى مرجعية فكرية أو أيديولوجية تكون انطلاقة لأي باحث أو كاتب. من هنا حاجج: أن العلم ينطلق من الفكر الذي يحمله كاتبه أو باحثه والقدرة على التعبير من خلال الأدوات الموجودة من حيث المصطلحات، والربط بين العلم والمشكلة التي يطرحها.

الفكر وعلميته
العديد من التطورات السياسية أدت إلى تفاقم هذه المشاكل في عقول الباحثين أو حتى مدرسي العلوم، إما العرب أو في الشرق عامة (ما يسمى بدول العالم الثالث، وحتى في بعض الدول مثل: الصين وروسيا والهند أو حتى جنوب أمريكا، مع الفارق بين نسب هذه المشاكل). منها: سيطرة الرأسمالية سياسياً وما رافقها من سيطرة على العلوم والثقافة والإنتاج. وأيضاً ما رافقها من سيطرة فكرية على مفهوم العلوم والثقافة، وإنتاج العلوم ومحدداته وشروطه. ما جعل جميع من يهتم أو يعمل في العلوم في كافة الحقول خاضعاً للفكر الرأسمالي في تعاطيه معه، وما فاقم مشكلة اللغة والقدرة على التعبير من خلالها أو القدرة على التفكير العلمي. فكثيراً ما نسمع أن الإنكليزية هي لغة علمية سهلة للتعبير والقراءة من خلالها، وهي أسهل على الاستيعاب.

أزمة الأدوات
حين دخلت الرأسمالية بأزمتها الأخيرة رافقها ظهور أزمات فكرية واجتماعية عديدة، تستخلص بمحاولات إيجاد الفرد لنفسه وقيمته، رداً على الفراغ الوجودي الذي أدت إليه الرأسمالية، والغياب الذي يرتفع مع الزمن في علاقة الفرد بما يحيط به. وكان للعلم وللغة التي تعبر عنه جزء من هذه الأزمات التي تتوضح  بالسيطرة اللغوية والعملية على العلوم من قبل الغرب وبالتشتت في الإنتاج والإصدار العلمي في العالم. انعكاس هذا في الدول التي تعتبر نفسها مستهلكة للعلم، كان في تثبيت هذا الاستهلاك وتعميمه على لغتهم وفكرهم العلمي إن كان في الأبحاث أو في التعليم. ونراها من خارج التعاطي البسيط مع العلوم في مرحلة دخول الرأسمالية بأزمتها، ارتفع التخبط في الدول التابعة التي جزء كبير منها إما منكر للأزمة الوجودية للرأسمالية أو يراها آنية، وبالتالي ممكن الخروج منها.
تبعية هذه الدول تعيقها من التطرق للعلوم بلغة العلم، في كونه ديناميكياً يتحرك مع تحرك ضرورته وضرورة الانطلاق منه في تحديد أو حل المشكلات في المجتمع. كما أن تبعيتها تجبرها على النظر للعلوم من هذه الزاوية التي تتفكك بقدر ما تتخبط في وجوب العمل بها وعدم القدرة على ذلك. بالإضافة إلى أن مظاهر الانقطاع عن العلم في تفسير الواقع، الذي بدأ مع تبعية هذه الدول ومع استسلام سلطتها للقوة الواحدة، التي تتفشى في أساليب حياتية اجتماعية بعيدة عن ثقافة هذه البلدان، وعبر العودة إلى مراجع غير علمية (روحاني في الأغلب) لمحاولة الحد من هذه الفوضى في الفكر والمفاهيم.
ناقش مهدي عامل اللغة والبحث مسياسياً في ظل حرب أهلية في لبنان كانت في طور تبلور نتائجها، وقبل سيطرة الرأسمالية على العالم وخسارة القوى المناهضة لها في العالم ولبنان. ولكنه ناقشها في هذه الفترة التاريخية بعلاقة الفكر بالتعبير وعلاقة التعبير بالعلم. فالعلم من المنظور الفلسفي والعملي المحض مرتبط بالنظام السياسي الحاكم وفكره والتناقضات داخله، فإما أن تغلب الراسمالية حينها ويبقى العلم متخبطاً وتتفاقم أزمته، وإما أن تغلب التناقضات داخله إلى تقدم الفكر، وبالتالي تقدم العلم. أما ما نجد أرضيته اليوم هو ارتفاع التناقضات داخل النظام الرأسمالي وانهياره، الذي سينعكس تخبطاً في الدول التابعة وتناقضات في سياستها وسلطتها، مما سيفسح المجال إلى اقتراب العلم من فكر يسمح له بالتحرر والتقدم.