العلاقات الاجتماعية والقيمة وما بينهما
مروى صعب مروى صعب

العلاقات الاجتماعية والقيمة وما بينهما

ما مدى تأثير الضغط الاجتماعي على حياة الناس اليومية وعلاقتها بالأمراض الجسدية والنفسية؟ الجواب على هذا متناقض في العلوم النفسية والاجتماعية، ويظهر مدى تفتيت العلوم من قبل المنطق التجريبي للعلم السائد. تتناقض التحليلات والربط بين العلماء لتصب في اتجاهين، الأول: الذي يدّعي أن العلاقات الاجتماعية والمحيط الاجتماعي تساعد الأفراد في حالات الضغط فقط. أما الاتجاه الثاني، نموذج العلاقة المباشرة، يقول: إن العلاقات الاجتماعية ضرورية للأفراد في جميع الأحيان، ولا تقتصر على حالات الضغط. أصحاب النظريتين عديدون ويتمسك كل منهم بالأبحاث الكمية التي تعزل بمعظمها العوامل الأخرى عند التحليل وفي العيّنة المنتقاة. ولكن يشدد أصحاب الاتجاهين: أن للعلاقات الاجتماعية تأثيراً سلبياً وايجابياً على الأفراد، وأنها بعدم ثباتها، ومدى اتساعها، قد تؤثر أيضاً سلبياً أو إيجابياً. ولا يربط الاتجاهان العلاقات الاجتماعية وتوفرها بالنظام السياسي الحاكم، والذي يؤسس للواقع الاجتماعي، وإمكانية وديناميكية حركته وتركيبته.

 

الحب، العمل، والمعرفة هي منابيع حياتنا. ويجب أن يحكموها أيضاً
رفع ويلهالم رايش (عالم نفسي) هذا الشعار عندما كان يخط نظريته، حول علاقة الطاقة الخارجية التي تأتي من جميع ما يحيط الإنسان، بالطاقة الداخلية التي تتأثر بهذا الخارج. وتسبب في بروز الأمراض أو عدم بروزها. وانطلق من تأثير العوامل الخارجية في المجتمع – النظم الاجتماعية، التقاليد والدور الاجتماعي للافراد– في تطور شخصياتهم وإمكانية تعرضهم للأمراض.
من منطلق مشابه لما انطلق منه رايش، انطلق روبرت وايس في تعريفه للعلاقات الاجتماعية، ومدى ضرورتها في الحياة اليومية. بحسب وايس: ست علاقات اجتماعية على علاقة بالصحة النفسية والجسدية للأفراد. والتي تضم، العلاقات التي توفر الأمان، الإرشاد، القيمة، الاندماج الاجتماعي، فرصة للرعاية، وتلك التي تقدم مساعدة تحت أي ظرف كان. كما شدد على أن هذه العلاقات يجب أن تجتمع جميعها، عند الأفراد، لكي تكون الحياة طبيعية ولا تشوبها الأمراض. وهذه العلاقات تشتد عندما يواجه الأفراد تغييراً في نمط حياتهم القائم، عند الانتقال من مكان سكن إلى آخر، الزواج، المرض، أو أي حالة يمكن أن تؤدي إلى خسارة علاقات اجتماعية كانت موجودة. وايس، الذي هو من أصحاب الاتجاه الثاني في تحليل العلاقات الاجتماعية، مغيب بشكل كبير، لا لكون نظريته لا تتطابق مع تفتيت العلم السائد لمكونات الحياة وعلاقتها، بل أيضاً لكون أن العلاقات بين الأفراد تقتصر منذ قرن على الأقل، من الدعم الاجتماعي (أو سياسة التدخل الاجتماعي) أي على ضرورة أن يشكل دعماً اجتماعياً لمساعدة المرضى وكبار السن، مثلاً: خلال مصاعبهم. هذا الدعم الاجتماعي الذي ينتهي في الانتساب إلى مجموعة مشابهة– في الحياة اليومية، أو الهوايات. وهو يأتي من منطلق ضرورة العلاقات الاجتماعية نفسها، في حالات الضغط، ولكون الملكية الخاصة والمنافسة التي يكرسها النظام الرأسمالي لا تتطابق في الحياة اليومية مع توسيع العلاقات الاجتماعية، التي تؤمن قيمة الأفراد.
النظم الاجتماعية والدينية
تحدث فيغوتكسي منذ ما يقارب ال80 عاماً، عن مدى تأثير البيئة المحيطة بتطور وعي الإنسان. وشدد على أن البيئة المساعدة، والتي تفتح آفاقاً عند الأطفال تساعد في تطور وعيه بطريقة أسرع. قام وايس بتفصيل هذه العلاقات إلى تلك التي تؤمن الأمان، الراحة، الانتماء، والتي تؤمن قيمة الإنسان في المجتمع. لم يربط وايس القيمة بالعمل فقط، إنما بوجود حاضنة اجتماعية عامة تؤمن هذه القيمة. هذا ما نراه في البحث الدائم للأفراد عن مكان أو فكرة تشعرهم بالانتماء وبالقيمة في ما يفعلون. وما يظهر في التخبط في العلاقات الاجتماعية اليومية، التي تحاول تصنيف أين يجد المرء قيمته. ولكن الدور الاجتماعي الذي يؤمن هذه القيمة محصور، أما بالمركز الاجتماعي مثل: السلطة، أو الأعمال التي ترتبط بتفوق علمي، أو بالدور الاجتماعي بالزواج والإنجاب، وليس بالإنتاج بشكل عام. وما نراه في الاتجاه نحو التطرف، التي بدأ يظهر في العديد من البلدان، الذي أتى من بين ما أتى نتيجة غياب الانتماء والقيمة الوجودية للأفراد.
نموذج العلاقة المباشرة
بحسب هذا النموذج، إن العلاقات الاجتماعية مرتبطة بشكل مباشر بالصحة النفسية والجسدية للأفراد. بكون البيئة الصغيرة (الأفراد) والكبيرة (النظم الاجتماعية والدينية) تؤثر على مجرى الحياة اليومية. ويمكن لها أن تؤثر على تقدم الوعي والمعرفة عندهم، فالمعتقدات التي تطال الصحة مثلاً، قد تجر الأفراد إلى التخلي عن البحث العلمي لما يصيبهم، أو أصابهم، والتحكم بمعتقد موروث غير مرتبط بأي تحليل علمي. كما يشكل المظهر الخارجي أحد هذه الضغوطات التي تفرض نفسها بشكل طبيعي على الأفراد، بكون النظم الاجتماعية ثبتت علاقة المظهر الخارجي، بقيمة وإمكانات الأفراد. وكرست استهلاك عالٍ على منتجات تساعد على التنحيف والتكبير، أو على إبراز الموقع الاجتماعي الذي يتمتع به صاحبه. بينما يشكل الدور المتوقع من أي فرد في أي مجتمع كان، ضغطاً مستمراً على الأفراد، ما يؤثر على الحالة النفسية، ويؤدي إلى أمراض جسدية أو نفسية. هل رأيتم يوماً مدى فرحة طفل يقوم بالطبخ أو بالتنظيف، فرحته ونشاطه يفوقان فرحة الكبار، لكون قيمة الطفل الإنتاجية والمعنوية برزت في كونه يعامل كالكبار وبإمكانه الإنتاج، وهو أصبح فرداً فاعلاً في محيطه، من دون الاتكال الدائم على الكبار. وهل رأيتم سرعة تأخر كبار السن، بالتحديد من يعاني من مرض، في التعاطي مع من يحيطه؟ لكون قيمته الإنتاجية والمعنوية انخفضت أو أصبحت معدومة. هذا جزء من التمسك بعلاقات التسلط في المجتمع، لكون القيمة المعنوية والإنتاجية تعوض في هذه السيطرة. والتي تظهر في الهيكليات الاجتماعية في المجتمع، بعلاقة تسلط من أعلى (بالعمر، المركز الاجتماعي، أو الجنس) بمن أدنى.
العلاقات الاجتماعية في ارتباطها بالنظم الاجتماعية والنظام السياسي، وقيمة الأفراد الإنتاجية والوجودية، ستتأثر مع التغيير السياسي العالمي الحاصل. ولكنها تبقى مشوهة إن لم يتم كسر هذه النظم الاجتماعية والسياسية، وتحويلها إلى علاقات مبنية على المصير الواحد للبشر. وإن لم يتم توفير أساس مادي لوحدة الناس وإنتاجها.