التغير المناخي
مروى صعب مروى صعب

التغير المناخي

كنا قد انطلقنا من فيغوتسكي وفرويد في المقال السابق، حول الوحدة والفصل بين الذات والمجتمع، وقد قلنا: إن الفكرتين تتمثلان في علاقاتنا وتعاطينا من خلالها مع ذاتنا ومع البيئة. وللعلم المباشر أيضاً تأثر بتياري الوحدة والفصل.

 

 لقد احتلت ظاهرة التغير المناخي إحدى الواجهات الاولى في مراكز الأبحاث حول العالم، والمعطيات التي تصدر عن هذه الابحاث مخيفة وتنبئ بالاسوأ. فظاهرة التغير المناخي تقارَب من منحى الوحدة والفصل أيضاً. 

في تقرير لجنة برنامج البيئة في الأمم المتحدة (ممثلة بمجموعة العشرين) التي عقد آخر اجتماع لها في مراكش- المغرب في تشرين الثاني 2016، صدرت عدة حلول حول تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة وخاصة ثاني اوكسيد الكربون، على أن يستكمل برنامج الأمم المتحدة في تخفيض الانبعاثات عبر مراحل والمرحلة الأخيرة في عام 2100. أبرز ما صدر هو، تخفيض الآليات التي تستخدم الوقود الأحفوري إلى حدّ التوصل لاستبدالها بنظام طاقة بديلة نظيفة، التخفيف من الآلات السيارة، والعمل على مشروع لأن يصبح ثاني أوكسيد الكربون للبيع بعد عدة سنين. اي ان الدولة التي ستنتج غازات أكثر ستشتري أوكسيجن من الدولة التي ستنتج أقل. إجتماع مراكش كان تأكيداً من مجموعة العشرين على اتفاقية باريس عام 2015، التي نصت على تخفيض الانبعاثات خلال الأعوام القادمة عبر مراحل. الجدير بالذكر أنه خلال الأسابيع السابقة القليلة، منذ تنصيب الرئيس الأخير للولايات المتحدة، تم الغاء الفقرة المتعلقة بالتغير المناخي والبيئة من على موقع البيت الأبيض، بالإضافة إلى تهليل الرئيس المذكور بالخروج من اتفاقية باريس.   

أين الفصل والوحدة في ظاهرة التغير المناخي؟

  الفصل في تحديد الأسباب، أي أن الأسباب التي تنسب لظاهرة التغير المناخي هي عمل إنساني مجرد من أي هدف أو صلة بالمفعول به، أي البيئة. تحدد الأسباب بزيادة عدد السكان، الارتفاع الهائل لاستخدام الوقود الأحفوري، والارتفاع في عديد الآليات السيارة. وتحدد هذه الأسباب في مناطق محددة على الكوكب، وخاصة في الصين، الهند والبرازيل. من دون نسب أسباب أخرى الى الظاهرة، كأساس لها، التي تتجلى في تركيبة النظام الذي حكم العالم أثناء الارتفاع الهائل لهذه الغازات، الذي يحاول منذ بروز الظاهرة أن يحدّ من انعكاساتها عبر أساليب لا انسانية شبيهة بالتي أدت إلى وقوعها في الأساس. أي نهب الثروات والاحتكار. من دون الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الدول (الصين، الهند، البرازيل) بدأت صعودها السياسي والاقتصادي مؤخراً، نسبة لعمر تطور البشرية، الذي انعكس تطوراً واستقراراً اقتصادياً واجتماعياً - ولو نسبياً - داخلياً، وتقديمات اجتماعية تعتبر بديهيةً بالنسبة لدول الغرب.  

والفصل أيضاً في ظاهرة التغير المناخي بالموقع السياسي والاقتصادي للدول في العالم. أي أن على الشعوب التي تنتج منتجات أمريكية خارج الولايات المتحدة، أن تدفع ثمن السياسات الاقتصادية الرأسمالية، التي أوصلت هذه الشعوب، لكي تكون منتجاً لرأس المال في مقابل مالكيه. وعليهم أيضاً الذهاب للعمل أو المدرسة مشياً على الأقدام، لأن الليبراليين نجحوا في إقناع البعض بالفصل بين آليات الحياة التي ينتجها ويسببها الإنسان والنظام السياسي المسيطر.

أي أنه لا يمكننا الفصل بين التطور الذي شهدته بعض الدول، التي تسمى حالياً متطورة، وارتفاع الغازات الدفيئة. ولا يمكننا أيضاً الفصل بين مراكز الإنتاج والتصدير في العالم، وارتفاع الغازات الدفيئة. أما الطلب بتخفيض أو عدم استعمال الوقود الأحفوري واستبداله بطاقة نظيفة في بلد مثل الصين أو الهند كما الطلب من هذه الحكومات التخلي عن موقعها الاقتصادي، والتخلي بالتالي عن تقديماتها الاجتماعية البديهية بالنسبة لشعوب الغرب وشعوبها هي، والحد من تطورها. ويمثل الاحتكار والقمع التي مارسته الرأسمالية على مدى أعوام، بعدم السماح لهذه الدول بإيجاد مصادر طاقة أخرى، بفعالية أقوى وأسرع، وإلا يكون تدميرها وتجويعها. 

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
799