في الذاتية والموضوعية
يعتبر فيغوتسكي، العالِم السوفياتي، الذي درس تطور إدراك ووعي الأطفال لعمر الثامنة عشرة، أن للبيئة تأثيراً على وعي وإدراك الطفل وعلى كيفية استخدامه وفهمه للغة، العنصر الآخر في هذه العملية. وبحسب طرحه، أن جميع العلاقات التي تحيط بالطفل تصبح جزءاً من تكونه وإدراكه، بما فيها طبعاً المدرسة.
ف«تأثير البيئة على تطور الطفل يجب، بالإضافة إلى عوامل مؤثرة أخرى، أن يقيّم بأخذ درجة الاستيعاب، الوعي، والبصيرة في ماذا يحدث في هذه البيئة بعين الاعتبار.» – فيغوتسكي 1943
بينما ينسب سيغموند فرويد، في دراساته حول الهستيريا مثلاً، المرض إلى حالات فردية، أو بالأحرى شخصية، ناتجة عن عدم قدرة الفرد على التأقلم مع المجتمع. فمثلاً: يعتبر فرويد أن الهستيريا هي نتيجة عارض قمع (في معظم الحالات جنسي)، في مرحلة ما من الحياة، غالباً ما تكون أثناء المراهقة، أي بالأحرى مرحلة النضج البيولوجي، تنتج ردة فعل مرضية إما نفسية أو جسدية. والفرق بين ما يقدمه فيغوتسكي وفرويد، إذا وضعنا مؤقتاً الهوس الجنسي(الشبقي) عند فرويد جانباً ،هو: أن الأول: يربط بين مكونات حياة الطفل وخصوصاً ممارسته، ويعتبرها جزءاً من تقدمه وفهمه للحياة، وهي التي تشكل كامل بنيته، أما الثاني: فيفصل بين هذه المكونات ويعزل العامل الاجتماعي في حياة الأفراد إلى عامل قمع جنسي فقط، وتكون نقطة ارتكازه في ضرورة تلاؤم الفرد مع المجتمع ليكون «سويّاً».
يمثل كل من فيغوتسكي وفرويد تيارين في علم النفس، الأول ربط العامل الاجتماعي وبالتالي المحيط، كنظام ونمط من العلاقات، بالتأثيرات على الإنسان منذ ولادته، والوضع النفسي وارتداداته على الإنسان. والثاني: فصل بينهما، حتى لو أن فرويد اضطر في أيامه الأخيرة إلى الاعتراف بتأثير العامل الاجتماعي كنظام علاقات، في النفس البشرية. ولكن هذا الاعتراف بقي تحت منطق التحليل النفسي الفرويدي.
ارتكازاً على التفارق بين نظريتي فيغوتسكي وفرويد، نجسد علاقاتنا مع محيطنا ونظرتنا لأنفسنا. فالثقافة السائدة وفي تقييم كل منا للمحيطيين بنا ولأنفسنا، إما نفصل عامل المجتمع والمحيط بالحدث أو نوحده. ولكون السائد في عصرنا حالياً ليس فيغوتسكي عامةً بل الخط الذي يمثله فرويد، أي سيادة تيار التفكيك عامة، في منطق الفصل، ننطلق في تقييمنا لذاتنا على أساس أن الذات بدأت تكونها منذ قررنا ذلك، ولم تعكس علاقات المجتمع التي تشكل أرضيتها، ليس منذ تكونها فقط بل منذ تكونت البشرية.
وبذلك ننسج لهذه الذات محيطاً خاصاً بها، نحدد حدوده بعناية، ونعتبر أن أي مس به هو مس بنا شخصياً، وليس مَسّاً بالمجتمع ككل. ونتطور بذلك إلى اعتبار علاقتنا بالمحيطين بنا ذاتيةً، فأي فعل هو فعل شخصي من الفاعل (الغير) يقابله ردة فعل شخصية منا، وأي رأي مختلف، هو رأي مختلف ضدنا شخصياً، غير نابع من سبب اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي، أي غير نابع من البيئة التي حملته وطورته. فالذات تتعاطى مع المحيطيين بها، كأنهم ذوات أيضاً، لتلخص صراع الحياة باقتصاره عليها كذات وتسطحه ليصبح ذاتياً، وتسمح للفصل بالفوز على الوحدة، ويعزل الذات عن النظام الاجتماعي السائد (الرأسمالية) الذي يشكل أي تعارض ضد الذات وأساس قمعها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 798