د. مصعب عزاوي د. مصعب عزاوي

شؤون بيئية.. الوجه الآخر للأغذية المعدلة وراثياً

 (2 من 2)

بالإضافة إلى أن نتائج الأبحاث المستقلة تشير إلى أن كمية الإنتاج منسوبة إلى المساحة في حالة المحاصيل المعدلة وراثيا تقل عن نظائرها في المحاصيل الطبيعية بمقدار 10% من نفس الصنف النباتي، وحقيقة تحتاج هذه النقطة إلى توقف مدقق عندها إذ أنها تمثل مفتاحاً ينسف كل الأساس الادعائي الذي استندت إليه شركات الهندسة الوراثية في دعايتها إلى أنها تسعى لسد حاجات العالم الجائع بوفرة إنتاجها.

 

 

ولا ننسى أيضاً أن نشير إلى أن غالبية المحاصيل المعدلة وراثياً تتناول تعديل صفات النباتات بحيث تصبح أكثر فعالية في تغذية الحيوانات من أجل تسمينها للحومها وليس لتصبح أكثر فائدة للإنسان وتلبية لاحتياجاته الغذائية التي قد لا تتوافق مع احتياجات الحيوانات.

ويجدر الآن الإشارة إلى نقطة شديدة الأهمية وتتمثل في الجوهر الحقيقي الكامن وراء الزعم الفاشل لدعاة الزراعة المعدلة وراثياً ويتمثل ذلك بنقطتين فرعيتين:

الأولى: وتتمثل في أن معدل الإنتاج العالمي للغذاء لا يشكو في الدرجة الأولى من النقص وإنما يشكو في المقام الأول من سوء العدالة والظلم في توزيعه ومن الإجحاف في وضع المعادل السعري للمنتجات الزراعية التي تباع كمواد أولية بأرخص وأبخس الأثمان للدول الصناعية التي تبيع منتجاتها الاستهلاكية والصناعية المعتمدة على تلك المواد الزراعية الأولية إلى الدول  النامية التي تمثل المصدر الأكبر للمنتجات الزراعية غير المصنعة، و بأسعار خيالية تحتاج إلى كميات كبيرة جداً من المواد الأولية لتأمين سعرها الباهظ، ونذكر على ذلك المثال الاقتصادي الشائع المتمثل في أن الفلاحين في المكسيك يحتاجون لبيع أربعة أطنان من الكاكاو الخام للتمكن من شراء دراجة هوائية واحدة من المصنع المكسيكي ذي رأس المال الأمريكي.

والنقطة الثانية: وهي تمثل جوهر الهدف الاقتصادي من الأغذية المعدلة وراثياً والمتمثل في أن الهدف الحقيقي للشركات التي تنتج البذور المعدلة وراثياً يكمن في أنها ستعود وتحتكر صناعة المبيدات الحشرية والطفيلية الجديدة الملائمة لهذه المحاصيل المعدلة وراثياً.

وتعمد هذه الشركات وعلى رأسها شركة مونسانتو الأمريكية- المتعددة الجنسيات على إيهام المزارع بتخفيض كلفة الإنتاج من خلال إنقاصها لسعر الكيلو غرام الواحد من المبيدات الحشرية مقارنة بسعر النوع اللازم في الزراعات الطبيعية، ولكنها بالمقابل تتركه لوحده ليواجه الحقيقة المفجعة والعارية بأنه سيحتاج إلى كمية أكبر من المبيدات الحشرية والطفيلية ستصل إلى ثلاثة أضعاف ما اعتاد استعماله في الزراعات الطبيعية غير ا لمعدلة وراثياً وبالتأكيد فإن الدافع الأساسي لهذا الفرق سيكون الفلاح الفقير والمستهلك وليس الشركات الاحتكارية بالتأكيد، هذا بالإضافة إلى التأثير غير المحمود والذي قد يصبح خطيراً من جرّاء زيادة تركيز المضافات الكيماوية على صحة المستهلك وهذا يتوضح من خلال الازدياد البين في نسبة وقوع سرطان الكلية والسبيل البولي وبشكل عالمي.

واستجابة للنفوذ الواسع الذي تملكه الشركات الاحتكارية الكبرى على مراكز صنع القرار العالمي فإننا نستطيع أن نلاحظ كيف استجابت وكالة حماية المحيط الحيوي الأمريكية إلى طلب شركة مونسانتو لزيادة الحد المسموح به لاستعمال المواد الكيميائية في الزراعة إلى ثلاثة أضعاف ما كان مسموحاً به سابقاً، وهذا بالتأكيد سيقود إلى أن تطور الحشرات والطفيليات- التي تلاءمت مع مستويات معينة من المبيدات الحشرية وتوازنت معها حيوياً - مقاومة تجاه الكميات الأعلى من المبيدات الحشرية والطفيلية وبحيث تصبح قادرة على اجتياح الزراعات التقليدية التي تستعمل كميات أقل من المبيدات وبالتالي يحتاج الفلاح إلى كميات أكبر من المبيدات التقليدية والتي هي أغلى سعراً كما أشرنا سابقاً، وبالتالي سيخسر ضمن قوانين السوق العمياء، وهذا ما سيقوده في النهاية إلى الرضوخ إلى المحاصيل المعدلة وراثياً وإلى استغلال الشركات الاحتكارية.

الغزو المورثي

ولا بد لنا أخيراً من المرور على الفصل الأكثر خطورة في مؤامرة الأغذية المعدلة وراثياً، والمتمثل في تحكم الشركات الاحتكارية ومن خلال الاستخدام الوحشي للحقائق العلمية من التحكم بمصير الإنتاج الزراعي العالمي، والمتمثل بحقيقة الغزو المورثي الذي يشير إلى أن الجينات المعدلة وراثياً تستطيع أن تغزو المناطق الزراعية المجاورة والتي لا تستخدم الزراعات المعدلة وراثياً وهذا ما يدعى بظاهرة الغزو المورثي وذلك خلال عملية الإلقاح الطبيعي الذي يحدث من خلال الهواء أو الحشرات بين النباتات من نفس الصنف الحيوي، وبما أن الشركات الاحتكارية تعمد إلى تعديل المورثات بحيث تكون ذات صفات قاهرة أي أن الجيل الناجم عن تلاقح محصول معدل وراثياً وآخر غير معدل وراثياً سينتج عنه فقط محصول معدل وراثياً في معظم الحالات.

وحدا ذلك بعض العلماء من أن يحذروا من أنها فقط مسألة وقت حتى تجتاح المحاصيل المعدلة وراثياً كافة المزارع في أرض المعمورة، والحقيقة المفجعة تتمثل في أن تلك العملية قد بدأت، وتشير آخر الأبحاث إلى أن انتشار المحاصيل المعدلة وراثياً فاق إلى درجة هائلة ما كان متوقعاً حولها، وحقيقة يقتضي ذلك منا جميعاً وقفة مدققة تضع نصب أعينها رسم توجه عملي جديد وتحرك فعلي وفاعل من أجل الوقوف اجتماعياً وعلمياً بوجه أولئك المفسدين لجوهر الحياة الطبيعي والمهددين لاستمرار البشرية وسلامة المجتمعات والأفراد صحياً واقتصادياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
180