علم السموم والمخاطرة التي نقوم بها
حسام الماني حسام الماني

علم السموم والمخاطرة التي نقوم بها

نحن نعيش في عالم قلق بحيث من المستحيل تَوقُع إمكانية حدوث أي تهديد، لأن المعرفة التي بحوزتنا معرفة غير كاملة. هناك بعض النشاطات والتي بطبيعتها الأصلية محفوفة بالمخاطر، كالسياقة بسرعة كبيرة في الشوارع المزدحمة على موسيقى صاخبة. ونحن نعرف بأن هناك بعض المواد الخطرة مثل: استركنين، حتى لو تواجدت بكميات صغيرة. غير أن هناك العديد من المخاطر الأخرى والتي من الصعب بمكان توقعها. 

لنأخذ مثالاً على ذلك: الزلازل والأعاصير، فبالرغم من سنين الدراسة والتطورات التقنية، مازالت تضرب بشكل غير متوقع مسببة أضراراً جدّية ومعاناة.

يمكن تعريف المجازفة على أنها احتمالية ومقدار الأذى الذي يمكن حصوله من قبيل الصدفة. وبصورة حتمية نحن نواجه ونقيّم العديد من الأخطار يومياً. إن إدراك الخطر هو أمر شخصي حتمياً. تظهر الدراسات بأن كل من الأفراد والخبراء يشخصون الأخطار المحتملة من المجازفة بشكل مختلف تماماً. مثلاً: في مسح واحد، نوه الجمهور إلى أنه يمكن اعتبار القوة النووية الخطر الأكثر جدية. من ناحية أخرى أشارات الإحصائيات الصحية أن التعرض للأشعة السينية يشكل خطراً أكبر بكثير.

الانفجار وإمكانية السيطرة على المخاطر.

إن احتمالية المعاناة والأذى في الإحصائيات الحقيقية، معتمدة على دليل كميّ. يمكن القول أن التقييم والسيطرة على الأخطار الناتجة من المواد الضارة في البيئة، يشكلان الاهتمام الرئيسي للسياسة البيئية الحالية.

هناك العديد من السموم الطبيعية والصناعية والمواد التي يمكن أن تشكل أذىً محتملاً على صحة الإنسان والنظام البيئي. لقد تزايد إنتاج المواد الكيميائية في الخمسين سنة الماضية بصورة لافتة. وهناك العديد من المستحضرات الدوائية المصنعة التي زودت الصحة الإنسانية بفوائد هائلة، بينما جعلت المواد الصناعية الطعام واللباس ومواد البضائع متوفرة بصورة واسعة. على أية حال هناك بعض المواد الصناعية أثبتت بأن لها نتائج ضارة إذا تم التعرض لها في بعض المستويات، بينما هناك استعمالات جديدة للكثير من المواد الطبيعية السامة، مثل الرصاص والبوتاسيوم، زادت من تأثير هذه المواد على البيئة.

التأثيرات السامة.

إن التساؤل الرئيسي هنا هو: ما هو مدى الجرعة التي يمكن أن تحول مادة محدودة إلى مادة مسببة الضرر للكائن الحي. ؟يحتمل أن تكون التأثيرات السامة حادة، أو أنها قد تحدث في وقت قصير، أو ربما تكون نتيجة لتعرض طويل الأمد أو عضالية. للمواد خصائص كيميائية مختلفة بشكل واسع الأمر الذي يحدد كيفية انتشارها في البيئة، فالبعض يتبخر بسرعة ويسبب أذى قليلاً، وهناك جزء آخر قابل للذوبان بدرجة عالية، ولذلك ينخرط بسهولة في الأجسام المائية. وهناك بعض المواد الصلبة (العنيدة) والتي لا تتحلل بسهولة في الطبيعة، ولذلك يمكن أن تكون مضرة لحياة الطيور والحيوانات، وخصوصاً إذا ابتُلعَت، فإنها تغادر الجسم ببطءٍ شديد.

لا يستطيع العلماء تحديد درجة الضرر الحاصلة، من جراء تعرض شخص لمادة محددة، بدقة (بالرغم من أن تأثيرات بعض السموم معروفة جيداً). غير أنهم يستطيعون تحديد مستوى الإمكانيات المحتملة وأنواع الأضرار الناتجة جراء التعرض للمواد الكيميائية بمستويات مختلفة.

لنأخذ مثالاً على ذلك، في تقرير عن مادة الاسبستوس، أشارت الأكاديمية الوطنية للعلوم: أن خطر الإصابة بسرطان الرئة للذكور غير المدخنين من جراء التعرض لمادة الاسبستوس يتراوح ما بين صفر إلى 22 حالة إضافية للمليون. لا بد من الإشارة إلى أن هناك العديد من المتغيرات التي تساهم في تفعيل تأثيرات مادة محددة على الفرد (إنسان كان أو حيوان) ربما في ذلك كميّة التعرض للمادة، أو التعرض لمواد أخرى، والتي من الممكن أن تزيد أو تقلل التأثيرات وكذلك الصحة العامة للفرد. فمثلاً: خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى الأشخاص الذين يتعرضون لمادة اسبستوس، أعلى بكثير للأشخاص المدخنين منه على غير المدخنين.

ويبرز هناك قلق إضافي من الطرق التي يتم فيها حساب كمية السميّة وغيرها من التأثيرات. أنه من غير الممكن اختبار كمية السمية للمادة مباشرة على البشر (بالرغم من وجود دلائل كنتيجة للتعرض العرضي)، ولذلك عادة يتم الاختبار على الحيوانات. 

الضرر المحتمل

هذه الاختبارات تقتضي إعطاء الحيوانات جرعات قوية خلال وقت قصير وذلك من أجل تقييم مستوى الضرر. هذا ويعتمد الضرر المحتمل للإنسان على عملية الاستقراء من مستوى الجرعات القوية التي أُعطيَت للحيوانات بحيث يتم تقدير المستويات التي من الممكن للإنسان احتمالها، وذلك باستعمال طرق رياضية مبنية على فرضيات محددة .

وهناك تساؤل آخر يبرز والذي يبحث إذا ما كانت قوة الجرعة هي التي تسبب الضرر، وأن هناك بعض المغالاة في درجة الخطر التي تتسبب بها الجرعات الضئيلة من المادة. 

لا شك بأنه سؤال صعب، ونظراً لأن تعرض الإنسان لمثل هذه المواد أقل بآلاف أو ربما بعشرات آلاف من الجرعات التي تُعطَى للحيوانات المخبرية .

علاوة على ذلك، فإن هناك اختلافاً ربما يكون مهماً في علم وظائف الأعضاء لدى الإنسان عنه في الحيوان مثلاً عقار (Thalidomide) الذي لم يسبب أي نتائج مضرة على الحيوانات المختبرة، ولكنه سبب عجزاً حاداً في الولادة عند الإنسان.

في العقود القليلة الماضية، تم اتباع سياسة تنظيمية تركز على التأثيرات المحتملة للمواد الكيميائية المُسرطِنَة، غير أنها تعطي اهتماماً أقل للتأثيرات المحتملة على صحة الإنسان والنظام البيئي. وكما هو مفترض ضمنياً، بأن المواد الصناعية أقل أماناً من المواد الطبيعية، وربما لا تكون بالضرورة هذه هي الحالة.

فمادة الافلاتوكسين مثلاً، والناتجة طبيعياً على شكل عفن ينمو على الفول والقمح، هي مادة تحتوي على كمية عالية من المواد المسرطنة.

هناك المخاطر التي يجب أن تُصنَع من أجل إدارة وتخفيض المجازفات، فالكثير من أدوية مرض السرطان مثل تاموكسيفين هي بحد ذاتها مواد مسرطنة.

تقييم المخاطر

إن تقييم المخاطر هو عبارة عن عملية تقييم الأخطار المحتملة من المواد والنشاطات أو الظواهر الطبيعية، ولذلك فمن الممكن تخفيفها أو تجنبها وحتى إدارتها بشكل منطقي. ومن أجل تقييم النتائج المضادة المحتملة من مادة كيميائية أو أية مادة أخرى، يتوجب على العلماء أن يقدروا سميّة المادة، هذا يعني أن عليهم تقرير إذا ما كانت المادة سامة وما هي الكمية التي من الممكن أن تسبب النتائج الضارة للإنسان وللنظام البيئي. كذلك عليهم تقييم الدرجة التي يستطيع أن يتعرض لها الناس للمادة.

سمّية المادة يمكن أن تقاس بطرق عديدة: من ضمنها دراسات تبين أثرها على الحيوانات ودراسات أخرى تبين أثرها على الخلايا الإنسانية، والدراسات المتعلقة بعلم الأوبئة. إن قياس تقييم التعرض، بصورةٍ كميّة وعددية للناس الذين تعرضوا للمادة آخذين بعين الاعتبار عوامل مثل السرعة التي تتحلل بها المادة أو إذا ما كانت المادة قابلة للاستنشاق أو يمكن ابتلاعها أو امتصاصها من خلال الجلد.