وجدتها: عالم مسطح

وجدتها: عالم مسطح

في صيف عام 1896 حضر مكسيم غوركي عرضاً للمصور السينمائي لوميير في مدينة نيجي نوفجورد في روسيا، وسجل ملاحظته الشهيرة عن تجربته في مشاهدة العرض الصامت بالأبيض والأسود، ونشرت هذه الملاحة في صحيفة محلية: «في الليلة الماضية كنت في مملكة الظلال. آه لو كنت تعلم كم كان غريباً أن تكون هناك. إنه عالم بلا صوت، بلا لون، كل شيء هناك-الأرض، الأشجار، والناس، والماء، والهواء-مصبوغ بلون واحد هو اللون الرمادي. إن الأشعة الرمادية تسقط من الشمس عبر السماء الرمادية، لتصبح العيون رمادية، والوجوه رمادية، والأوراق والأشجار بلون رمادي شاحب، إنها ليست الحياة وإنما ظلها، إنها ليست الحركة وإنما طيفها الذي لا صوت له».

 

 

بعد مائة عام، وعلى قرص «دي في دي» بفيلم «اتصال» عبرت جودي فوستر في تعليقها الخاص على صنع الفيلم، عن أحد مشاهدها التي أعاد فيها المخرج ضبط انفعالات وجهها، أنها انتهكت بمؤثرات رقمية وقالت: «كفى عبثاً بوجهي».

نعم إنهما السينما ومن بعدها التلفزيون، ووسائط نقل الصورة المتحركة المعاصر بعدها، إنها عالم قائم بذاته يسهل التلاعب به بقدر كبير من المرونة، عالم مسطح منظم مكثف، تم إعادة تكوينه برهافة كبيرة بشكل غير ملحوظ. عالم تربطه صلة قرابة بالواقع، عالم أصبح العالم الثاني الذي نعيش فيه، يغذي إدراكنا وفهمنا للواقع في تأثيرات اجتماعية.

 

أصبحت وسائل الإعلام المصور مصدراً رئيساً يلجأ إليه الناس في استقاء معلوماتهم عن القضايا السياسية، والثقافية، والاجتماعية كافة بسبب فاعليته الاجتماعية وانتشاره الواسع، فهو بقدرته على الحراك ومخاطبة القسم الأعظم من التكوين المجتمعي، يمتلك الإمكانية على التـأثير الذي لا يأخذ صورة مباشرة وإنما يقوم بتشكيل الوعي الاجتماعي بصورة غير مباشـرة، وبوثيرة متسارعة غير ملحوظة دون مقدمات. كما يمثل الإعلام عنصراً مؤثراً في حيـاة المجتمعات باعتباره الناشر، والمروج الأساس للفكر والثقافة، ويسهم بفاعلية فـي عمليـة تشكيل الوعي الاجتماعي للأفراد إلى جانب غيره من العوامل؛ بل إنه في كثير من دول العالم أحد منتجي الثقافة بطريقه التفاعـل والتـأثير الإنساني المتبادل. أضف إلى ذلـك أن الإعـلام باعتبـاره مؤسسة اجتماعية هامة في المجتمعات البشرية يحمل مـضامين اقتـصادية، وسياسـية، وأيديولوجية إن لم تكن لها القدرة على ترسيخ ثقافة المجتمع وهويته، فإنها تـؤدي إلـى تزييف الوعي للشرائح العمرية كلها وخاصة الفتية منها التي هي أكثر فئات المجتمع تأثرا،ً لأنها في مرحلة تشكل وعيها الفردي في زمن الانفجار المعرفي الهائل، وتطور وسائل الإعلام.