خالد رشيد خالد رشيد

رداً على رياض اخضير.. بين الماركسية والفكر الديني.. وبدعة «الرأي العام»..

اعتقد رياض اخضير أنه وجد ضالته، وأنهى حيرته، عندما كتب في العدد (288) من صحيفة قاسيون مقالاً فصل فيه بين «الجانب الفلسفي من الماركسية» وبين الجوانب الأخرى.
فقد توهم الكاتب أن التناقض بين الماركسية والفكر الديني مفتعل. وهو يدعو «التيارات الدينية» إلى الاستفادة من «الاقتصاد السياسي الماركسي». وأن تبتعد عن الجانب الفلسفي من الماركسية. وهو يتخوف من «تكوين رأي عام سلبي من الماركسية عند المسلمين».

إن هذا الرأي، الموقف، الانتقائي من الماركسية، والذي يتجلبب برداء النوايا الحسنة، لا يختص بهذا الكاتب أو ذاك، بل يشمل فئة تتسع بمقدار ما تقلّ مساحة الوعي بانسجام المذهب الماركسي، وبدور «الدين السياسي» التاريخي.
والأرجح أن الشيء المفتعل هو الفصل بين «الجانب الفلسفي من الماركسية» وبين «الاقتصاد السياسي الماركسي» هنا. فكما أنه لا يمكن أن تكون الفلسفة الماركسية أداة بيد الأساتذة والمفكرين البرجوازيين دون تشويهها وإفراغها من محتواها الأساسي (لأنها تعريهم وتفضح دور البرجوازية التاريخي في الفكر)، كذلك لا يمكن أن يكون الاقتصاد السياسي الماركسي أداةً بيد القوى السياسية البرجوازية (مهما بدت هذه القوى شعبية!)، سواءً كانت قومية (المستأنسة بالفكر الماركسي!!؟) أم دينية أم سوبرمانية، دون تشويهه وابتذاله.
إن هذا الضياع والحيرة اللذين يعانيهما رياض اخضير وأمثاله يعود إلى عدم قدرتهم على التفريق بين قوى التحرر الوطنية والقوى الثورية الماركسية، أي بين القوى «النهضوية» في الشرق الرازح تحت استغلال الضواري الكبار، هذه القوى التي تسعى إلى «الاستقلال» وبناء دولة قوية ذات حضور عالمي إلى آخره من هذه الشعارات، وبين القوى التي لا يقتصر دورها على هذه الأهداف، ولا تقف هنا، بل تسعى إلى تحطيم أساس النظام الرأسمالي العالمي، لبناء نظام أكثر تطوراً وعدلاً.
فرغم التقاطعات هنا أو هناك، ضمن هذه الفترة أو تلك، فإن الجوهر والأهداف البعيدة تختلف وتعود الكلمات اللعينة لتضللنا! «رأي عام... عند المسلمين»!. إن هذا إبداع ما بعده إبداع. أيها الأستاذّ إن «الرأي العام» تضليل مفضوح تتخذه الهيئات الرسمية في كل البلدان. فالمسلون ليسوا «جماعة» «متجانسة» كما يحب الأساتذة الرسميون والمشايخ أن يصوروهم، بل هم مجتمعات. وإن ألف باء الماركسية تعلمنا أن الآراء والتصورات تختلف ضمن المجتمع الواحد، لأنه ينقسم إلى طبقات، وأن الرأي السائد، المسيطر، «العام»، هو رأي الطبقة السائدة. فلا معنى للرأي العام هنا، إلا كونه رأي طبقةٍ ما. ولا أساس للتخوف على المشاعر، لأن كل طبقة لابد أن تعبر عن نفسها سياسياً، وبالأشكال المناسبة، مهما بلغ التضليل الرسمي.
إن الإرث النظري الماركسي، هذا الاكتشاف العلمي، الذي يتمنى رياض اخضير على القوى السياسية أن تستفيد منه حتى لا تفقد هذه القوى «محتواها»، تستخدمه الطبقة العاملة التقدمية حتى النهاية، لتحطيم قيودها وبناء المجتمع الاشتراكي. كما تستخدمه الأحزاب «المدّعية» لخداع العمال تحت شعارات مختلفة. في حين تكرس وتزيد من اضطهاد العمال والفلاحين، وتبقيهم على حالهم.
إذا أراد أي أستاذٍ، من أمثال رياض اخضير، أن يطمس التناقضات الحقيقية، وأن يسترضي رجال الدين والمتدينين، عن حسن نية أو عن سوئها، وذلك تحت تأثير ظرف تاريخي معين، فعليه أن يستخدم حيلاً أكثر براعة. فإن الاحترام لذكرى الكادحين، المناضلين، لا يقتضي دراسة مؤلفات مؤسسي الماركسية ـ اللينينية وحسب، بل ودراستها بإخلاص ومسؤولية.