أفاميا السورية: أبحاث جديدة توضح حجم الضرر!

أفاميا السورية: أبحاث جديدة توضح حجم الضرر!

تتعرض الآثار السورية للتدمير الممنهج والسرقات على نطاقٍ واسعٍ وتدير هذه الأعمال شبكات مشبوهة في طول البلاد وعرضها، حيث تحولت العديد من المواقع الأثرية والتراثية إلى ساحات للنزاع وبتالي لحقها ما لحق معظم المدن السورية من تدمير وتخريب، على الرغم من أن هذه الحقيقة باتت معروفة، لكن لا يزال من الصعب جداً حصر حجم الأضرار أو السرقات في المواقع الأثرية السورية مع استمرار الوضع القائم.

تحاول «قاسيون» في هذا العدد أن تضيء على بحث علمي يشرح بشكل تفصيلي أحدث الطرق التي تستخدم أنظمة «الاستشعار عن البعد» جنباً إلى جنب مع خبراء الآثار لتحاول جمع معلومات دقيقة عن المواقع الأثرية السورية ورصدها بشكل منتظم للوصول إلى نتائج دقيقة نستطيع من خلالها تحديد حجم الضرر الحقيقي.

أفاميا

تعد مدينة أفاميا واحدة من أهم المناطق الأثرية السورية وتقع في وسط سهل الغاب على بعد 55 كم شمال غربي مدينة حماة وقد ساعدها موقعها الاستراتيجي في السيطرة على الطرق التجارية القديمة وعلى الرغم من تاريخ المدينة الطويل والقديم إلا أن « سلوقس الأول نيكاتور 300 ق.م» يعد المؤسس الحقيقي لهذه المدينة وأطلق عليها اسم أفاميا نسبة إلى زوجته الفارسية Apame.

تعرضت مدينة أفاميا في تاريخيها للعديد من الهزات الأرضية والزلازل وخاصة في القرن السادس وكانت تعود لتنهض من جديد، إلا أن الزلزال الذي ضربها سنة 1157م دمر المدينة تماماً بحيث لم يبقَ منها إلا قلعتها التي رممها سكانها وأعادوا إليها شكلها في عهد نور الدين الزنكي. 

بدأت التنقيابات الأثرية في مدينة أفاميا في ثلاثينيات القرن  الماضي من قبل بعثات دولية للتنقيب الأثري توقفت مع بداية الأزمة السورية حالها كحال كل المواقع الأثرية الأخرى 

البحث العلمي

الورقة البحثية التي بين أيدينا بعنوان: («آثار السرقة» صور ملتقطة من خلال SAR الفضائي بالإضافة إلى (TerraSAR-X Staring Spotlight) لقياس معدلات سرقات الأثار في أفاميا (سورية)) « ‘Looting marks’ in space-borne SAR imagery: Measuring rates of archaeological looting in Apamea (Syria) with TerraSAR-X Staring Spotlight» هي نتاج تعاون بين «ديوداتو تابيت» و«فرنشيسكا سنا» و«دانيال دوناهو» من هيئة المسح الجيولوجي البريطاني - مجلس بحوث البيئة الطبيعية و قسم الجغرافيا في معهد «IHRR» في جامعة دورهام « Durham University»  وقسم الجغرافيا في جامعة دورهام.

آليات العمل

تقوم الدراسة على أخذ صور فضائية لمنطقة مدينة أفاميا بشكل دوري باستخدام رادارات من نوع خاص تستطيع تحديد التغيرات التي تطرأ على المدينة الأثرية، وتتميز هذه المعدات بقدراتها على  التقاط الصور بغض النظر عن الظروف المناخية فمن المعروف بأن الغيوم تشكل عائقاً في العديد  من الحالات أمام أخذ هذه الصور بالإضافة إلى كون توضع الشمس يلعب دوراً ويجعل الصور أقل وضوحاً مع وجود الظلال مثلاً. 

يجري جمع بيانات من الصور التي تأخذها هذه الرادارات TerraSAR-X Staring Spotlight (ST) ويجري تحليل البيانات التي توجد في الصور من خلال آثار الحفريات التي يقوم بها اللصوص أو آثار البلدوزرات مثلاً، نستطيع أيضاً تحليل آثار الأقدام التي تؤدي إلى مكان مسقوف لا يمكن أخذ البيانات منه مثل باب مدفن أو ما يشبه ذلك، وتؤخذ هذه الصور لفترات وأيام متواصلة وقد استطاع الباحثون أن يحددوا أشكال وأحجام الحفر واستطاعوا تحديد الحفر المردومة أيضاً، وصنفوا الحفر التي حفرها اللصوص حسب أحجامها وأبعادها.

السرقات بالأرقام!

بناءاً على عدد وتوضعات الحفر التي حفرها اللصوص، نستطيع القول أن الحفر توضعت ضمن سور المدينة القديمة وشملت إلى الآن ما يقارب 45% من نسبة الموقع الأثري كاملاً ويوضح الجدول التالي إزدياد أعداد الحفر خلال فترات زمنية معينة تبدأ من تشرين الثاني 2014 إلى حزيران 2015

ويوضح الشكل المرفق بشكل تفصيلي ازدياد السرقات المسجلة في الموقع:

2336 حفرة!

يقع البحث في 54 صفحة وينتهي بإخبارنا عدد الحفر التي حفرها اللصوص إلى الآن في أفاميا!! لا شك أن جهداً كبيراً بذل في هذا البحث ويبدو ذلك جلياً في أغلب أقسامه وخصوصاً أنه استطاع تجاوز الكثير من العقبات التي تمنع استخلاص معلومات دقيقة من أماكن تشهد نزاعات كبرى مثل سورية، لكن المشكلة تكمن الآن أننا نستطيع تقديرياً تحديد حجم الضرر في أفاميا وحدها، ولكن ماذا عن باقي المواقع الأثرية؟ وكيف يمكن تعقب آثارنا المنهوبة في السوق السوداء التي تُدعم وتُسهل أمورها من قبل دول كبرى؟