وجدتها: العلاج بالصدمة الاقتصادية

نعود لنتذكر الكاتبة الكندية «نعومي كلاين» في كتابها «عقيدة الصدمة» مع ارتفاع أسعار المحروقات مؤخراً، فليس من تفسير لمثل هذه الإجراءات التي سبقها رفع أسعار الاتصالات الخليوية إلا تطبيق مباشر ووقح لعقيدة الصدمة.

نشأت عقيدة الصدمة في الخمسينيات من القرن العشرين في مجال الطب النفسي فقد تعاونت وكالة الاستخبارات الأميركية مع الطبيب النفسي الكندي البارز أيوين كاميرون ومولت أبحاثه عن استخدام الصدمة الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين بهدف تحويل أدمغتهم إلى صفحة بيضاء لإعادة كتابة المعلومات الملائمة عليها. كان كاميرون يعتقد أن ثمة عاملين مهمين يتيحان لنا الحفاظ على إدراكنا البيانات الحسية التي ترد لنا باستمرار، والذاكرة. لذلك حاول إلغاء الذاكرة بواسطة الصدمات الكهربائية والمهلوسات، وحاول إلغاء البيانات الحسية بواسطة العزل التام. وهنا نصل إلى طبيب الصدم الاقتصادي ميلتون فريدمان

ارتبط اسم ميلتون فريدمان بقسم العلوم الاقتصادية بجامعة شيكاغو التي لعبت دوراً يتجاوز دورها كجامعة، بل كان هذا القسم مدرسة للفكر المحافظ، ومقراً للمعادين للتدخل الحكومي، والداعين لحرية مطلقة للأسواق. في إحدى مقالاته الأكثر تأثيرًا، صاغ فريدمان العقار السري التكتيكي للرأسمالية المعاصرة؛ وهو ما فهمت كلاين أنه «مبدأ الصدمة». يرى فريدمان أن «الأزمات فقط، حقيقية أو متصورة، تنتج تغيرًا حقيقيًا»؛ فعند وقوع كارثة تُعتمد الإجراءات التي يتم اتخاذها بناء على الأفكار المتاحة؛ حيث يقوم بعض الناس بتخزين سلع معلبة ومياه استعدادًا لكوارث كبرى؛ بينما يخزّن أتباع فريدمان أفكار السوق الحرة. بوقوع الأزمة، نجد فريدمان مقتنعًا بضرورة التحرك سريعًا، لفرض تغيير دائم قبل عودة المجتمع الذي اجتاحته الأزمة إلى «شدة وطأة ظروف ما بعد الكارثة»؛ وهو تنويع على نصيحة مكيافيلي بوجوب إيقاع «الأضرار كلها مرة واحدة».

 يؤكد الكتاب أن السياسات الاقتصادية النيوليبرالية: الخصخصة، وتحرير التجارة، وخفض الإنفاق الاجتماعي؛ التي فرضتها مدرسة شيكاغو ومنظّرها ميلتون فريدمان عالميًا كانت سياسات كارثية. ولأن نتائجها وخيمة وتؤدي للكساد وتفاقم الفقر، ونهب الشركات الخاصة للمال العام، فإن وسائلها كارثية تعتمد الاضطرابات السياسية والكوارث الطبيعية والذرائع القسرية لتمرير «إصلاحات» السوق الحرة المرفوضة شعبيًا. تؤرخ كلاين لهذه الكوارث، التي تتضمن برامج لمدرسة شيكاغو أطلقتها انقلابات عسكرية بأميركا الجنوبية؛ والبيع المعيب لاقتصاد الدولة في روسيا لقلّة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي.

آخر تعديل على الأحد, 03 تموز/يوليو 2016 18:36