التغير المناخي مسبب افتراضي للحروب
في كتابة «مدار الفوضى: تغير المناخ والجغرافيا الجديدة للعنف» الذي ترجمه الدكتور سعد الدين خرفان والصادر ضمن سلسلة عالم المعرفة، يطرح المؤلف كريستيان بارتني فرضية مفادها أن التغير المناخي يُعد عاملاً أساسياً في تأجج الصراعات السياسية والاجتماعية والحروب الأهلية التي ضربت مجموعة من الدول في العقود الماضية.
ويربط المؤلف خلال الكتاب ربطاً سلساً بين مجموعة من حالات الصراع والظواهر الناتجة عن التغير المناخي مثل موجات الجفاف التي ضربت الشرق الأفريقي ووسط آسيا ومثل الفيضانات التي ضرب باكستان في عام 2008.
يُظهر لنا كيف أن تاريخ الجفاف في الصومال وأفغانستان مرتبط بتاريخ انهيار البلدين وتحولهما إلى حالات صراع مستعصية على الحل.
يسهم التغير المناخي في حدوث أزمات بيئية أبرزها الجفاف والتصحر والفيضانات، مما يتسبب في تدمير الاقتصادات الريفية وشح الموارد ويؤدى إلى تفاقم البطالة في المناطق الريفية، وهو ما يؤدي أيضاً إلى تزايد الهجرة إلى المدن وزيادة العشوائيات على أطرافها والضغط على بنيتها التحتية،
كما تؤدي البطالة إلى سهولة نشأة العصابات، ويتسبب شح الموارد في غلاء الأقوات والسماح للنخب الانتهازية باستغلال الوضع والصراع حول هذه الموارد، ما يتسبب في انهيار الأوضاع مع مرور الوقت.
لاعب خفي يشعل الحرائق
يحاول الكتاب أن يظهر أن هناك دوراً يلعبه التغير المناخي كلاعب خفي يشعل الحرائق أينما حل ويوجه الأحداث من وراء ستار، وكأنما التغير المناخي حدث طبيعي لا علاقة للرأسمالية بحدوثه، وينفي كون نمط الإنتاج الرأسمالي النيوليبرالي واحداً من الأسباب.
ويحاول أن يوصل فكرة مفادها أنه يمكن للدول الكبرى التعامل مع المشكلات الناتجة عن التغير المناخي، بينما يكون تكيف الدول الضعيفة في شكل توترات عرقية وقبائلية وطائفية ما يدفع نحو الانفجار، وكأنما يبرئ الدول الصناعية الكبرى من مسؤوليتها تجاه التغير المناخي ويعطيها شهادة حسن تصرف بينما يجرم الدول الفقيرة لأنها لا تستطيع حل «مشكلاتها».
موجات الجفاف الأسوأ
شهدت سورية في العقد الأول من القرن الحالي موجات جفاف ربما هي الأسوأ، حيث تناقصت معدلات هطول الأمطار وازداد هبوب الرياح المحملة بالرمال واستمرت موجة واحدة من عام 2006 حتى عام 2011 وكانت ذروتها في شتاء عام 2007.
تأثر بالجفاف حوالي 1.3 مليون نسمة وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى ارتفاع هذا الرقم لحوالي 3 ملايين نسمة بحلول عام 2011.
غير قابل للإصلاح والجبر
تعتبر ظاهرة الاحتباس الحراري وازدياد نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الهواء المسؤول الأول عن ظاهرة التغير المناخي، وتعتبر الدول الصناعية الكبرى مسؤولة عن زيادة الظاهرة، ولابد لهذه الدول أن تتحمل مسؤوليتها، فكوكب الأرض ونظامه الطبيعي الذي أسهم في ازدهار الحياة على مدى ملايين السنين معرض للتدمير بشكل غير مسبوق في تاريخ الحضارة الإنسانية، بالإضافة إلى أنه غير قابل للإصلاح والجبر.. حتى أن كثيراً من العلماء يعتبرون أن الإنسانية قد بلغت نقطة اللاعودة فيما يتعلق بالتغير المناخي وأن الأرض ستشهد تبدلات ستغير حتماً الحياة المعاصرة على الأرض.
ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع حرارة الأرض الذي يربطه بعض العلماء بأنشطة إنسانية مثل حرق الوقود الباعث لثاني أكسيد الكربون إلى ارتفاع كبير في مستويات البحار وإفساد أنماط المناخ في كل أنحاء العالم، الأمر الذي قد يثير عواصف قوية ونوبات جفاف قد تتسبب في نزوح الكثيرين من ديارهم.
انتشار الأمراض المعدية
وأفاد خبراء صحة دوليون بأن التغير المناخي الذي يتسبب فيه الاحتباس الحراري، يمكن أن يساهم في انتشار الأمراض المعدية في مناطق جديدة من العالم.
وأشار الخبراء إلى أن احتمال تسبب هذا التغير هو إطالة موسم انتشار بذور اللقاح، مما يؤدي إلى انتشار المزيد من الحشرات الحاملة للأمراض في شمال أوروبا، ويتيح للبعوض التكاثر في مناطق جديدة بأفريقيا وآسيا.
وأوضح المسؤولون بمنظمة الصحة العالمية في جنيف، أن ارتفاع درجات الحرارة في العالم بدأ يؤثر بالفعل على الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه، والتي تسببها الطفيليات في مناطق معرضة لخطر الجفاف والفيضانات.
أظهرت دراسة جديدة أن التغيّر المناخي في العالم مسؤول عن انتشار عدد كبير من الأوبئة في مختلف أرجاء العالم، مثل الحمى وفيروس غرب النيل وحمى الوادي، وغيرها من الأمراض الأخرى المستوطنة.
وأشارت الدراسات أن أجواء الجفاف تتسبب في قتل ونفوق عدد كبير من الجوارح مثل البوم والثعابين، ولذلك فإنه عندما تسقط الأمطار فإن القوارض التي تحمل فيروسات تلك الأمراض تنتشر بشكل كبير متسببة في زيادة نطاق العدوى والإصابة بين البشر.
آسيا .. الأكثر معاناة
كما حذر خبراء البيئة من أن قارة آسيا هي الأكثر عرضة للمخاطر الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض نتيجة التغير المناخي.
وجاء ذلك في سياق تقرير أعده تحالف يضم 21 من وكالات للبيئة والمساعدات الإنسانية بالتعاون مع الهيئة الدولية للبيئة والتنمية.
أما الخطر الرئيسي الذي يهدد القارة الآسيوية خاصة الدول المطلة على المحيطين الهادئ والهندي هو ارتفاع منسوب المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وبحسب التقرير قد تكون آسيا مسرحاً للدراما الإنسانية لظاهرة التغير المناخي فنصف سكانها تقريباً يقطنون مناطق ساحلية هي الأكثر عرضة لكوارث طبيعية مثل الفيضانات والأعاصير الناجمة عن التغير المناخي، أي أن نحو ثلثي سكان العالم سيجدون أنفسهم على خط المواجهة الأول مع مخاطر التغير المناخي.