«التطور» لمصلحة من؟

كانت العملية التي تعرف باسم انتخاب المجموعة مقبولة سابقاً دون تفكير، ثم تمّ الشّكّ في مصداقيتها على نطاق واسع، لقد حان الوقت لإجراء تقييم أكثر قدرة على التمييز.

هل التطور لعبة جماعية، أو هو مسابقة من أجل البقاء لُعِبَ بها بدقة بين الأفراد؟ ليس هناك شك أن الانتخاب الطبيعي يعمل على الكائنات الفردية: حيث أن أولئك الذين يحملون الصفات المواتية هم أكثر عرضة لتمرير جيناتها إلى الجيل القادم.  ولكن ربما يمكن أن تحصل عمليات مماثلة على مستويات أخرى من التسلسل الهرمي البيولوجي. بهذه الطريقة يمكن للانتخاب الطبيعي إدامة الصفات المواتية لا لفرد واحد ولكن لوحدة اجتماعية، مثل: قطيع أو مستعمرة، أو إلى أنواع بأكملها، أو حتى لنظام البيئي يتكون من العديد من الأنواع.


من أجل مصلحة الجماعة!

السؤال الأساسي هو: هل يمكن للصفات البيولوجية أن تتطور «من أجل مصلحة الجماعة»؟
تقبل العديد من علماء الأحياء في وقت مبكر فكرة انتخاب الجماعة دون التفكير بشكل انتقادي فيها. على سبيل المثال: قطعان حيوانات الرعي يمكن وصفها بأنها تطورت للحفاظ على الإمدادات الغذائية على المدى الطويل. إن القطعان التي من شأنها أن تمارس ضبط النفس، يكون من المرجح أكثر بقاؤها على قيد الحياة من تلك التي سرعان ما استنفذت مواردها الحرجة. بحث علماء أحياء آخرون عن كثب في مثل هذه الحجج ووجدوا خللاً في طريقة التفكير. إن الإدارة المشتركة بحكمة يستفيد من مواردها أفراد المجموعة جميعهم، بما في ذلك أي من «الغشاشين» الذين يستهلكون أكثر من حصتهم. إن الجينات المرتبطة بالغش من شأنها بالتالي أن تنتشر في المجموعة، والميل للإدارة التعاونية للموارد سوف يتقوض. هذا الوضع مألوف جداً في تجربة الإنسان، بل هو ظاهرة أسماها غاريت هاردن باسمها الشهير «مأساة المشاعات».
وبحلول منتصف الستينيات من القرن الماضي، أصبحت الأفكار المستندة إلى انتخاب الجماعات في وضع سيئ، وتم تجنب هذا المصطلح بحد ذاته في الكتب والمؤلفات العلمية.


اختيار ذوي القربى

عندما لاحظ علماء الأحياء أنماط السلوك التي ظهرت لتقدم الفائدة للجماعات أو للأنواع، سعوا لتفسير ذلك بالاختيار الفردي بدقة. فعلى سبيل المثال: يمكن أن تتعاون الحيوانات لأن لديها جينات مشتركة «اختيار ذوي القربى» أو بسبب احتمال المساعدات المتبادلة في المستقبل. بهذه الطريقة جرى تفسير الإيثار على أنه مصلحة ذاتية مستنيرة. وأصبح إلزامياً تقريباً للمؤلفين جميعهم_ التأكيد لقرائهم بأن الانتخاب الطبيعي لم يعد حجةً مقنعةً يجري تداولها.


الغشاشون لا يسودون الجماعة

لقد حان الوقت لإعادة تقييم صريح ودقيق لانتخاب الجماعة في التفكير التطوري. إن أكثر شكل بسيط من انتخاب الجماعة -والذي يفترض بديهياً أن السلوكيات تتطور لمصلحة المجموعة-لا يمكن الدفاع عنه بشكل واضح. ومع ذلك فالصفات ذات الفوائد العامة والتكاليف الخاصة تتطور عن طريق الانتخاب الطبيعي. فقط لأن الغشاشين لديهم ميزات داخل المجموعة، ولا يعني أنهم يسودون الجماعة. في انتخاب الجماعة يوجد تعارض مع الانتخاب بين المجموعات، وتعتمد النتيجة النهائية على القوة النسبية لهذه الآثار. فبدلا من الرفض القاطع لانتخاب الجماعة أو «من أجل مصلحة الجماعة»، فنحن بحاجة إلى تقييم التوازن بين مستويات الانتخاب على أساس كل حالة.

 عن مجلة أميركان ساينتيست