وجدتها:الضربة القاضية

وجدتها:الضربة القاضية

رغم كل الضربات المتتالية التي تلقتها مؤسسات البحث العلمي، من التدمير المباشر بالقذائف أو على أيدي مخربين محترفين، إلى تسرب أعداد كبيرة من الباحثين وسفرهم إلى خارج سورية، إما هرباً من ظروف الحرب المباشرة، أو بحثاً عن لقمة عيش أكثر كرامة، وأدت إلى اختفاء معظم الشباب من المؤسسات العلمية بسبب الخدمة الإلزامية أو بسبب التهرب منها.

مع كل ذلك استمر عدد كبير من المؤسسات البحثية بالعمل بمن تبقى وما تبقى، وجاءت الضربة التالية بتخفيض الميزانيات الحقيقية، بنسب تتراوح بين ثلاثين وخمسين بالمئة.

ولكن مع اقتراب سعر صرف الدولار إلى السبعمائة ليرة سورية في هذا الأسبوع، تتوجه ما يمكن أن نسميها الضربة القاضية إلى محاولات ما تبقى من المؤسسات التي تعمل في البحث العلمي للبقاء في جاهزيتها ولياقتها البحثية، وذلك مع التسارع غير المبرر الذي حل مع تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في الشهرين الأخيرين.

بحيث أصبح سعر أية مادة للبحث العلمي رقماً غير منطقي على الإطلاق، وبدأت بعض المؤسسات العلمية بتوقيف عدد من الأبحاث بسبب عدم الإمكانية الفعلية على تنفيذها، للعجز المالي عن تغطيتها، مهما كانت أهمية البحث ونتائجه الفعلية.

إن المؤسسات البحثية هي المؤشر الواقعي على إمكانيات النهوض الذاتي في المرحلة اللاحقة، فإعادة الإعمار بالمعنى الوطني (وليس بمعنى البحث عن الشركات الأجنبية لتلملم المزيد من الأرباح، كالمنشار في زمن السلم وزمن الحرب) لا يمكن أن تتم دون بحث علمي وطني متوجه إلى مرحلة البناء بكل معانيه (ليس فقط إعمار الأبنية، بل إعمار كل ما تهدم من علم وثقافة وإنسان).

إن وضع المؤسسات العلمية الحالي بحاجة إلى جدية كبيرة في التعامل معه، على أنه واحد من أولويات المرحلة الحالية المؤسس للمرحلة القادمة بعد قليل، والضربة القاضية التي تصيب المؤسسات البحثية اليوم ليست عبثية وبلا قصد. والخروج منها يجب أن يكون خروجاً مقصوداً وسريعاً وواعياً، حتى لا نقع في دائرة عدم إمكانية العودة بعدما يتخرب ما تبقى من جاهزية المؤسسات البحثية.