كيف استخدمت (ماري) الزيت؟!!
تحت عنوان «الزيت واستخداماته في ماري في بداية الألف الثاني قبل الميلاد» قدم الدكتور أحمد شحود بحثه في مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية.
يقدم البحث عرضاً لمادة الزيت في القرن الثامن عشر قبل الميلاد في منطقة بلاد الرافدين وبالتحديد في مملكة ماري وذلك من خلال نصوص أرشيف هذه المملكة. فالزيت لعب دوراً هاماً في علاقات هذ المملكة مع الممالك المجاورة كمملكة يمحاض (حلب) كما قدم مثالاً لمعالجة المادة الأولية وعملية استخراج الزيت إضافةً إلى استخداماته في الحياة اليومية عند سكان هذه المملكة بخاصة تواجده كمادة أساسية في وجباتِ الملك. كما ويقدم البحث عرضاً لمادة العطر ومادة المراهم المستخرجة من الزيت واستخدام هذه المواد إضافةً لأنواع العطور والمراهم المستخرجة من أنواع مختلفةٍ من الزيوت.
تقدم هذه الدراسة الزيت كمادة أولية واستخداماته، حيث تركزت هذه الدراسة حول تحليل النصوص الأكادية القديمة والتي كانت تتحدث عن إجراءات استيراد وتوزيع المواد الأولية. ويقدم هذا البحث الرسائل التي سجل فيها نقل المواد الأولية من أماكن استخلاصها باتجاه أماكن التجميع والتصنيع. كما ويركز البحث على كميات المواد الأولية المستخدمة وعلى نوعيتها والحرفيين المسؤولين عن مراحل التحضير. فدراسة المادة الأولية تسمح لنا تتبع تطور وتحول المادة الأولية إلى منتوجات تفيد الحياة اليومية. فالمادة الأولية لا يمكن أن تؤخذ على أنها مادة وحيدة في الصناعات لأنها تُعتبر مفهوماً عاماً يجمع المواد كلها التي تدخل في الاستخدام البشري. ولعبت المادة الأولية دوراً ً فائق الأهمية في سياسة مناطق بلاد الرافدين كمملكة ماري على سبيل المثال، حيث كان للمادة الأولية تأثير كبير على العلاقات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية التي كانت تربطها بجيرانها.
منهجية البحث
اتبع الباحث المنهج الوصفي التحليلي، (تحليل نصوص أرشيف مملكة ماري المتخصصة بالمادة الأولية للزيت واستخداماتها) لأنه المنهج المناسب لطبيعة البحث فهويهدف إلى استبيان المادة الأولية ومناطق استخراجها وكمياتها ونوعيتها إضافةً إلى معطيات معالجتها وتحويلها إلى منتج قابل للاستهلاك.
أنواع الزيوت
يحتل زيت الزيتون المكانة الأولى في حوض البحر المتوسط، وفي مناطق أخرى مثل مصر تم إنتاج زيوت أخرى مثل زيت العنب، وزيت السمسم، وزيت حبة البركة، وأغلبيتها وظفت من أجل: الغذاء، الإضاءة، الطب والعطر. أما زيت السمسم فقد كان مسيطراً في بابل، وكان الزيت الأكثر أهمية في مناطق أخرى من الشرق الأدنى. كان زيت الجوز يستخدم محلياً في إبير، في تيزالي (بلاد الرافدين)، وبينما استخدم ُ زيت اللوز فيها كغذاء كامل وكمادة طبية، وقد استخدمت هذه الأنواع من الزيوت جميعها في العالم القديم، ولكن في روما أُنتجت أنواع أخرى من زيت الزيتون مثال الزيت البكر من العصرة الأولى يسمى بالرومانية olei flos، والعصرة الثانية من الزيت العادي وتسمى sequins والزيت المغلي ويسمى cibaria من أجل الغذاء. ومن الزيوت ما كان يستهلك على مائدة الطعام بإضافته إلى الخضروات النيئة والسلطات وفي الطبخ وكمستحضر للعناية بالجسم. وتشير الرسائل إلى أنواع أخرى من الزيت، كالزيت العطري وزيت السرواللذان نقلا من الملك su-nuhra-halu . إلى الملك Asnakkum Saddum-labu a .
الزيت في بلاد الرافدين
وجدت مصادر في بالد الرافدين مشابهة لتلك التي رأيناها في مصر القديمة، تحدد كمية الزيت المستخدم بكثرة والمستخرج من السمسم. ويؤكد هيرودوت أن بلاد الرافدين أنتجت الثلث. أما بالنسبة إلى الدهون فكانت مصادرها جميعها حيوانية في مصر وبلاد الرافدين وقد استخدموا أيضاً زيت السمك.
توزيع الزيت
أشارت النصوص الرافدية إلى توزع الزيوت وبخاصة تلك المستخرجة من نبات السمسم، والتي اشتهرت بها بلاد الرافدين، وأُشير إليها بالمصطلح الأكادي samnum . ومنها ما كان مخصصاً للنساء الساكنات داخل القصر كما استخدمت حبات السمسم في تزيين التماثيل المحفوظة في المعبد. أُرخت معظم هذه النصوص في عهد الملك زمري-ليم، وقد استخدمت الآلهة المؤنثة هذا الزيت من أجل التبرج، ولم يقتصر استخدامها عليها فقد استخدمته آلهة مذكرة في عملية التطهير. وإضافةً إلى الوظيفة التطهيرية للزيت، والتي كان لها معنى ثانٍ بالمصطلح الأكادي rumukum الذي يشير إلى الوارد في هذه النصوص ترجم (الخالص، النقي أوالصافي). توضيح المصطلح ellu الزيت ُ (حم م أوبّل)، الذي توضح شكله (وظيفة الغسيل أوالتنظيف) التي تشرح الطبقة على التمثال و ramaku من الفعل يتطهر. ترشدنا النصوص الإدارية بالإجمال إلى أن الزيت كان يلبي عدة استخدامات، كمعالجة الأشخاص أوتبييض أومعالجة البشرة أوحاجات حرفية. كان توزيع الزيت للملوك أنفسهم دون أن يطلبوها. وهناك أنواع من الزيوت العطرية تسمى بالأكادية samnum بالإضافة إلى أنواع الزيوت المكررة وتسمى بالأكادية samnum habum . تؤكد نصوص ماري مثالا على الاحتجاجات أوالاعتراضات على )يبني-داكان( الذي استلم كمية من المسؤول الإداري، وهي 1 كور وهوعبارة عن وزنة تقابل اليوم الجرة من زيت السمسم، بالإضافة إلى 20 أقاً من الزيت المكرر، لكن ربعي-داكان، الموظف الأعلى لزيت العطور، استطاع أن يقدم تبادلاً جيداً في هذه الكميات بين الأقارب.
إنتاج وتخزين الزيت
ومن الجدير للاهتمام أن مجتمعات الممالك السورية قد استخدمت طرقاً معينةً في استخراج أنواع متميزة من الزيوت بالطريقة اليدوية، فقد كانت تجرش حبات الزيتون بحجر يسمى (الباطوس), وتسمى eru, iru بالأكادية وما زالت هذه الطريقة متبعة في قرى الساحل السوري, ويطلق على الزيت المستخرج زيت الخريج
. ذكرت المصادر وخاصةً أرشيف إبلا، الزيتون ومناطق انتشاره، وخاصة في منطقة إدلب، وأظهرت أسعار الزيتون المرتفعة، حيث استخدمت المقاييس ُ بأسعار مرتفعة.