ما الخطر الذي تشكله الحقول الكهرطيسية على الإنسان؟
تحت عنوان «تحليل التداخل الكهرطيسي الحيوي» قدمت الدكتورة سلام محمود (وهي مدرسة في قسم هندسة الطاقة الكهربائية -كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية -جامعة دمشق.) بحثها في مجلة جامعة دمشق للعلوم الهندسية وذلك في العدد الأول للعام 2015
تشكل حاليا بحوث تأثيرات الحقول الكهرطيسية في الأوساط المختلفة ومنها المادة الحية مجالاً حيوياً يستأثر بجهـود ملحوظة للباحثين. لم تحدد البحوث العلمية حتى الآن آليات تفاعل الحقول الكهرطيسية مع المادة الحية. قدم هذا البحث عرضاً للكهرطيسية الكلاسيكية والكهروديناميكية الكوانتية، وأُجرِيتْ دراسة تجريبية بمـساعدة نظـم قياس وأجهزة تحليل حديثة لمتابعة مثل هذه التفاعلات وتأثيراتها. أُجرِيتْ نمذجة ومحاكاة التفـاعلات الكهرطيـسية الحيوية باستخدام برمجيات Computational System Technology CST التي تشكل نمذجة الظواهر الكهرطيـسية أحد تطبيقاتها المتعددة. بينت النتائج حدوث ظاهرة الرنين بتأثير الحقول الكهرطيسية النبضية في مجال ترددي معين الذي يترافق بامتصاص أعظمي لطاقة الأمواج الكهرطيسية الساقطة على المادة الحية. يمكن أن ينعكس هذا التأثير علـى خـصائص المـادة وسلوكها عند استمرار التعرض.
إن معظم آليـات التفاعـل الكهرطيـسي الحيوي ما زالت قيد البحث وغير معروفة، ولـم تجـزم البحوث العلمية بأن الحقول الكهرطيسية بشكل عام تشكل خطراً فعلياً على الأحياء على الرغم من الاعتقاد من أنها قد تكون سبباً في ظهور أمراض الـدم عنـد الأطفـال القاطنين بجوار خطوط نقل القدرة الكهربائية.
نتائج التعرض
على المدى القريب والبعيد
تعود صعوبات دراسة تفاعل الحقول الكهرطيـسية مـع المادة الحية أو تداخلها معها إلى عوامل تتعلق بـالحقول الكهرطيسية بحد ذاتها مثل طيفها الترددي واسـتقطابية موجتها ونمطها وزاوية ورودها. ويـؤثر أيـضا فـي التفاعلات عوامل أخرى تتعلق بالمادة الحية بحد ذاتهـا وتركيبها المعقد وخصائصها الكهربائية والمغناطيسية من ناقلية نوعية ونفاذية كهربائية ونفاذية مغناطيسية والخاصية الحيوية أو ما تمتاز به المادة مـن عمليـات حيوية وانعكاس التأثير الكهرطيسي فيها، وعمر الإنسان والأبعاد الهندسية له ووضعه الصحي، ومـدة التعـرض وتكراره والعوامل البيئية المحيطـة (رطوبـة، درجـة الحرارة، درجة التلوث وغيرها). انطلاقاً مما تقدم تبرز أهمية إجراء مثل هـذه البحـوث، ويعد تحديد آليات التفاعل الكهرطيسي الحيوي موضوعاً ساخناً عالمياً في أوساط الباحثين التي لم تصل إلى حقائق قاطعة وموثوق بها لناحية الآليات، ونتائج التعرض على المدى القريب والبعيد وخاصة الوراثة والجينات. تستخدم القياسات الخارجية على الإنسان المحـدودة فـي متابعة سلوك الحقول الكهرطيسية في الفـراغ والـزمن داخل المادة الحية من خلال النمذجة والمحاكاة وبمساعدة برامج حاسوبية، ومنها ما يلائـم لإجـراء الدراسـات الحيوية الكهرطيسية وملاحقتها في أعماق المادة الحيـة في الفراغ والزمن. تحتاج الدراسات والبحوث المعمقة للتداخل الكهرطيـسي الحيوي إلى إجراء تجارب واختبارات عملية ضرورية، واستخدام نتائجها في محاكاة ظواهر هذا التفاعل لمتابعة التغييرات في الفراغ والزمن على المـستويات البنيويـة للمادة.
الهمك في جامعة دمشق
أجري هذا البحث في مخبـر الحقـول الكهرطيـسية – الهمك-جامعة دمشق؛ إِذْ تتوافر نظم الاختبار، فـضلاً عن البرمجيات الحديثة مثل CST لنمذجة ظاهرة التفاعل الكهرطيسي الحيوي. تم الانطلاق من تصميم نموذج مخبري يحاكي ظـاهرة الانفراغات التي تولد الحقول الكهرطيسية النبضية بجوار خطوط نقل القدرة، أو أي مصدر آخر للحقول النبـضية المتمثلة بنبضة كهرطيسية تدعى بنبضة غـاوص التـي تتضمن بشكل عام أمواجاً كهرطيـسية بطيـف تـرددي واسع. يتيح النظام تأمين منبع للنبضات الكهرطيسية الناتجة من الانفراغات الكهربائية وقياس الإشارات الكهرطيسية عبر جسم الإنسان بجوار المنبع في مكان محـدد وبوضـعية ثابتة، عبر مجسات مناسبة ونظـام قيـاس الإشـارات الكهرطيسية وتخزينها وإجراء تحليل طيفـي لمركباتهـا الترددية ومطالاتها من خلال تحليل فورييه لها، وتقصي الأمواج الكهرطيسية في جسم الإنـسان. أُجرِيـتْ هـذه القياسات على عدة أشخاص مختلفين بـالعمر والجـنس والوزن والطول والوضعية والمكان والبعـد والظـروف المحيطة. أجريت القياسات المشار إليها باسـتخدام نظـام تحليـل الطيف الكهرطيـسي ومولـد النبـضات الكهرطيـسية باستخدام مجسات مصممة مخبرياً بالتلامس مـع جـسم الإنسان. قيستْ إشارات الأمواج الكهرطيـسية باسـتخدام جهـاز .Metrix-Mtx3352 ميتريكس تجدر الإشارة إلى أن هذا الجهاز يقوم بالقياس والتحليـل وفق تحليل فورييه السريع وتخزين الإشارات ومقارنتها، كما توضح أشكال الأمواج الكهرطيسية المقيسة.
النتائج المحلية
عند حدوث الانفراغات الكهربائية بجوار خطوط النقل ومحطات البث ومحطات الاتصالات الخلوية وغيرها ونشوء الأمواج الكهرطيسية النبضية، حتى لو كانت سوية الحقل الكهربائي ضمن الحدود المسموح بها، ولكن مع وجود الحقل المغناطيسي المتغير في الزمن سيعزز تغلغل الحقل الكهربائي إلى النسيج الحيوي ويحرض تيارات دوامة داخل الجسم فضلاً عن أن الحقل الكهربائي بحد ذاته يتسبب في نشوء تيارات الناقلية داخل الجسم. إن الحقول الشبه ساكنة تؤثر في الأيونات في المادة الحية إِذْ يكسبها الحقل الكهربائي تسارعاً وطاقة حركية في حين يمنحها الحقل المغناطيسي حركة لولبية متخامدة نتيجة الاصطدامات بين الجسيمات تتسبب في مفاقيد حرارية. تضم نبضة غاوص طيفاً ترددياً واسعاً؛ مما يؤدي إلى حدوث تجاوب في المنطقة ذات أطوال متوافقة مع الأبعاد الهندسية للإنسان في المحور الطولي والعرضي، ومن ثَم تحدث ظاهرة الرنين.
الجذور الحرة
مؤشر أساسي للخلل الجيني
تبين النتائج العملية أن هذه الظاهرة تحدث في المجال الترددي 50 –250 MHz عندئذ يتوافق ذلك مع امتصاص أعظمي من قبل المادة الحية للطاقة الكهرطيسية الواردة كلّها. يؤثر الامتصاص الأعظمي للطاقة في التفاعلات الحيوية الكيميائية جميعها في داخل الجسم وخاصةً المواد ذات بنية الجذور الحرة التي تمثل أساس النشاط الحيوي في المادة. تؤكد المراجع العلمية أن زمن حياة الجذور الحرة يقع في المجال ( 1) وبمراعاة أن دور الـ50 Hz يساوي 20 ms فإنه من الواضح استحالة التفاعل بينهما. ولكن بالعودة إلى النتائج ومراعاة أن موجة الـ 100 MHz ستتجاوب مع المادة الحية فإن هذه الموجة في زمنها تنتمي إلى مجال حياة الجذور الحرة. وهكذا فإن المادة الحية ستخضع لتأثيرات النبضة الكهرطيسية وما سينشأ عن ذلك في اختلال أداء هذه الجذور الحرة والتي تفسر كمؤشر أساسي للخلل الجيني ونشوء الأمراض الخطيرة.
هكذا فإن الطيف الكهرطيسي الساقط على جسم الإنسان عموماً يتفاعل بصورة متفاوتة تبعاً للأبعاد الهندسية التي تحدد تجاوبه مع بعض ترددات الطيف فضلاً عن تأثير خصائص المادة الحية في درجة امتصاص طاقة الموجة الكهرطيسية وتبديدها حرارياً وانتشارها في المادة والانعكاسات الداخلية وتأثير ذلك في الجهاز المعلوماتي العصبي. يشكل هذا البحث عملاً أولياً في مجال دراسة التفـاعلات الكهرطيسية مع المادة الحية وتعد آلياتها مجهولـة فـي معظمها حتى الآن.