وجدتها: في حركية التجربة القانونية
تتنوع القوانين الوضعية والتشريعات عموماً في نظرتها العامة إلى الحياة فمنها ما ينظر إلى الوراء دارساً حركة المجتمع عبر حقبة زمنية تطول أو تقصر في سبيل الوصول إلى أفضل ما يعبر عنها، في السياق التاريخي، ومنها ما ينظر إلى التغيرات التي فرضها الواقع الراهن ويحاول التطوير من أجل الوصول إلى صيغة هي أقرب ما يكون إلى المعاصرة، وقد يحتفظ ببعض البنود التاريخية التي يعتقد أنها ما زالت سارية المفعول بالمعنى الاجتماعي، أي إلى المرحلة التي وصل إليها المجتمع من تطوره.
ومن القوانين ما يستشرف المستقبل القريب (وقد يكون المتوسط المدى، وهو حتماً ليس بعيد المدى إلا في فلسفته العامة من أجل الخطوات اللاحقة من التفكير، ويتجلى هذا عادة في الدساتير وليس في القوانين) وقد تتنوع النظرة فتضم هذه النظرات الثلاث سوياً في مزيج قد يكون موفقاً وقد لا يكون.
يتم الاستعانة عادة عند وضع القوانين بخبراء قانونيين بشكل عمومي ذوي خبرة بوضعها، وبأهل الخبرة في الاختصاص الذي يعالجه القانون.
يتضمن مجتمع «أهل الخبرة» في زمننا الراهن، وفي عصر الفساد الذي نعيشه بالطبع عدداً ممن يعبرون عن مصلحة الطبقة السائدة، والذين يرغبون حتماً إما في إبقاء الوضع على ما هو عليه، أو إعادته إلى الوراء، وإذا افترضنا حسن النوايا، ورغبة البعض منهم في التقدم إلى آفاق جديدة، فهي لا تخرج بالطبع عن حدود النظرة المستقبلية التي يحملونها.
وإن وجد من أهل الاختصاص من هو أهل لوضع نظرة استشرافية مستقبلية مختلفة تعبر عن آراء الأغلبية، فإن تجربته على الأغلب تكون أكثر ضحالة من تجارب الآخرين، ليس لعيب حقيقي في كونه يمثل الأغلبية، بل لأنه لم ولن يعطى الفرصة الحقيقية لتطوير تجربته على أرض الواقع حتى تصقل بالعمل، وتتطور معرفته إلى الدرجة التي يستطيع فيها استشراف ما بعد الواقع الراهن اللحظي الحقيقي، وليس الواقع الذهني الذي يستطيع استقراءه من خلال الملاحظة والدراسة.
إن حلقات الفساد تحاول خنق إمكانيات التقدم كلها، لكن التغير الجذري والعنيف الذي نشهده حالياً، يدفعنا لنسبق أنفسنا، ونتقدم خطوة إلى الأمام رغم كل الضغوط، ولن يكون من السهل تمرير القوانين في مرحلة التعب هذه، عبر طريقة عقيدة الصدمة.