جمال الرياضيات وجمال الموسيقى

جمال الرياضيات وجمال الموسيقى

 هل سمعت أحد علماء الرياضيات يتحدث عن معادلاته ذات يوم؟ هل استغربت وصفه إياها بالجمال؟ دراسة تُثبت إن للصيغ الرياضية جمال حقيقي!

الذين يقدرون جمال الرياضيات تتحفز لديهم حين ينظرون إلى صيغ رياضية جميلة، أجزاء الدماغ نفسها التي تتحفز لدى الأخرين عند الاستماع للموسيقى، أو مشاهدة الأعمال الفنية. هذا ما قد يدفعنا للاعتقاد بوجود أساس عصبي للجمال.
مقاييس للجمال
هنالك العديد من أشكال الجمال -الوجه الجميل المناظر الطبيعية أو سيمفونية رائعة-كلها أمثلة على الجمال مستمدة من تجارب حسية. لكن على ما يبدو يوجد هنالك مصادر أخرى للجمال، مصادر ذهنية جمالية، فعلماء الرياضيات غالبا ما يصفون الصيغ الرياضية بمصطلحات عاطفية، ويقارنون تجربة الجمال الرياضي بتجارب الجمال المستمدة من الأعمال الفنية العظيمة.
وهذا ما تم إثباته في المختبرات أيضاً. حيث أقدمت مجموعة من الباحثين على إجراء اختبارات على 15 عالم رياضيات، تم إعطاء كل منهم 60 صيغة رياضية، وطُلب منهم أن يصنفوها ويعطوها درجات تتراوح ما بين -5 للقبيحة و+5 للجميلة بنظرهم، وبعد أسبوعين أعادوا سؤالهم عن الصيغ نفسها، لكن هذه المرة وهم في جهاز التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي (fMRI). حيث يتم عرض صور للدماغ، توضح مناطق نشاط الدماغ عند إجراء الاختبار، وقد أثبتت النتائج أن المنطقة التي تحفزت لدى المتطوعين حين مشاهدة الصيغ الرياضية، هي نفسها القشرة الأمامية الوسطية المدارية (medial orbito-frontal cortex) من الدماغ التي تتحفز عند الإحساس بالجمال الفني أو الموسيقي.
هل الصيغ الرياضية جافة؟
إن رؤية البعض بأن الصيغ الرياضية جافة وغير مفهومة أمر غير صحيح تماماً، عند من يفهمون الرياضيات. فالمعادلات لديهم عبارة عن كائنات لها جمال يتجسد بتناظرها وأناقتها بتعبيرها عن حقيقة ثابتة.
منطقة الدماغ المرتبطة بردود الأفعال الخاصة بالعاطفة والجمال تنشط عندما تُعرض صيغ الرياضيات بشكل خاص.
المعادلات الجميلة
عندما يصف علماء الرياضيات المعادلات بأنها جميلة، فهم لا يكذبون إطلاقاً. تُظهر الأشعة المقطعية للمخ أن المناطق التي تتحفز في أدمغتهم عند عرض المعادلات، هي: المناطق نفسها التي تتحفز عند الآخرين عن رؤية لوحات كبيرة أو الاستماع إلى موسيقى جميلة. هذا الاكتشاف يمكن أن يقرّب علماء الأعصاب من فهم الأساس العصبي للجمال، وهو مفهوم من الصعب تحديدهُ.
وترتبط القشرة الأمامية بالعاطفة، وأظهرت هذه المنطقة بالذات في الاختبارات السابقة، أنها مرتبطة مع الاستجابات العاطفية للجمال إذا كان بصرياً أو موسيقى. وتساءل الباحثون عما إذا كان هذا الارتباط سوف يمتد إلى الجمال الرياضي، والذي لديه مصدر فكري أعمق بكثير من الجمال البصري أو الموسيقي، حيث أن المعادلات هي أكثر معقولية.
افترض العلماء أن الاشخاص الذين لم يتدربوا في حياتهم على أي جانب موسيقي، أو فني، وسوف يستسيغون أعمال بيتهوفن ومايكل آنجلو بسهولة، وفقط أولئك الذين يفهمون المعنى وراء الصيغ الرياضية يعرفون الجمال الحقيقي.
عَرَضَ الباحثون أيضا مجموعة معادلات على غير الرياضيين، ووجدوا أن أدمغتهم أظهرت ردود فعل عاطفية أقل. أظهرت الدراسة أنه حتى دون فهم كل المعادلات فإن بعض المشاركين وجدوا بعض الصيغ جميلة على أي حال، ربما بسبب شكلها، أو بسبب التماثل والصفات الجمالية الأخرى.
ويقول بعض علماء الرياضيات أنهم غير متفاجئين من النتائج. كما يقول عالم الرياضيات كولن آدمز من كلية وليامز: عندما أرى البناء الرياضي الجميل، أنا لا أشعر بالشعور نفسه عندما أرى بعض أنواع الفن الذي قد يدهش البعض، لكن المعادلات هي التي تدهشني أكثر يوماً بعد يوم. بالنسبة لي، المعادلات جميلة إذا كان لديها حل أنيق، أو تؤدي إلى نتائج غير متوقعة، نتائج مثيرة للدهشة.
الأشياء الحزينة الجميلة
ليس من السهل ان نفهم الجمال بصورة مجرّدة، ناهيك عما يجعل الشيء جميلاً. الجمال ليس مجرد شيء يجلب السعادة. الأشياء حزينة، يمكن أن تكون جميلة. حيث يمكن أن نشعر بالجمال ونختبره في الألم. لو رأينا تمثال بييتا لمايكل أنجلو، أو تمثال مريم العذراء ويسوع المسيح في ذراعيها قد تبدوا أنها أشياء ليست بهيجة، ولكنها جميلة جداً.
بعض العلماء يتساءلون عما إذا كان الجمال معقداً للغاية بحيث يعجز جهاز المسح الرنيني المغناطيسي عن تحديده. حيث يعتقد عالم الأعصاب بيفايل كونواي: أن مفهوم الجمال هو الهام للبحوث العصبية المعاصرة، وأن الاستخدام السطحي لهذا المصطلح في دراسات الرنين المغناطيسي يظهر جهل التاريخ العظيم لفلسفة الجمال، التي تركت شكاً في أن المفهوم لا يمكن تحديده بسهولة.
هل يمكن القياس كمياً؟
لقد وجد أن تجربة الجمال البصري أو الموسيقي، ترتبط بالنشاط الدماغي ارتباطاً وثيقاً، بكثافة الإفصاح التي يقدمها الناس عن خبرتهم الجمالية المتكونة -حتى في المثال حيث تكون مصادر الجمال مجردة للغاية-. يجيب عن سؤال بالغ الأهمية في دراسة علم الجمال، وهو واحد من الأسئلة التي نوقشت منذ العصور الكلاسيكية، وهو: ما إذا كانت التجارب الجمالية يمكن قياسها كمياً؟
إن الجمال لم يتم تعريفهُ تماماً، ولكن الدراسة قد تقود نحو فهم أعمق لهذه الفكرة. إن القضية المركزية التي تنبثق لمستقبل واعد من هذا العمل هيَ، لماذا المعادلة جميلة؟