وجدتها: ليّ ذراع الكارثة
أقر المؤرخون أن دمشق هبة بردى، ولولا مياه بردى لما كانت دمشق؛ فهو حقيقة دمشق، وحقيقة تشكيل النسق الحضري، واستقرار السكان في المجال المكاني هذا، فالمياه هي المحدد الرئيس للتنمية العمرانية، ويرتبط التوسع العمراني للتجمعات السكانية بشكل مباشر بزيادة عدد السكان من جهة، وتوافر المياه اللازمة لتلبية احتياجات السكان من جهة أخرى
فالمصادر المائية من أهم المحددات الاستراتيجية ذات الأثر الكبير المهم في رسم البدائل التخطيطية، التي ستصبح مدينة دمشق مدينة مغلقة نتيجة شح مواردها المائية، ولا يمكن استجرار ماء لها من خارج الإقليم بشكل مستدام، ولهذا يجب معالجة موازنتها المائية بشكل مباشر من خلال نموذج برمجي يساعد على إدارة الموارد المائية، وإعداد موازنته في ضوء المعطيات المناخية السنوية المباشرة، دون لَيْ ذراع الواقع، لإرغامنا على الوصول إلى حيث لا نريد.
وقد صرح رئيس البنك الدولي سابقاً جيم يونغ كيم، في معرض حديثه عن الوضع الراهن في سورية، وإلى تقديرات منظمة «الأسكوا»، التي خرجت بها في العام الفائت، التي تشير الى أن كلفة إعادة إعمار سورية ستتخطى عتبة 150 مليار دولار، لكن ليس للبنك الدولي أية تقديرات دقيقة حول الحجم الفعلي لأكلاف إعادة إعمارها، «فالبلد في حالة حرب، ونحن نعتمد على الصور التي نحصل عليها عبر الأقمار الاصطناعية، لنعرف ماذا يجري هناك. عملية إعادة إعمار سورية تتطلب إنشاء صناديق كبرى، ولا يمكننا أن ننتظر التوصل إلى حل سياسي حتى نبدأ بالعمل، علينا وضع تصور لما ستؤول إليه المنطقة في المستقبل».
إن دمج عملية إعادة الإعمار، مع محاولات الخصخصة لأكثر القطاعات حيوية في سورية، وهي المتمثلة في الماء والكهرباء جارية على قدم وساق، وهي تندر في إطار استغلال الأزمة التي نظرت في الولايات المتحدة، وتحدثت عنها نعومي كلاين في كتابها الشهير «عقيدة الصدمة»، حيث يتم استغلال ظروف عدم وعي الناس لقضاياهم الرئيسية بسبب الكارثة، وبسبب كون القضايا المطروحة للتغيير بشكل جائر كثيرة جداً، وبسبب غياب القدرة على التعبير والتغيير الناجمين حتماً عن سيطرة الفوضى، التي هي نتيجة حتمية للكارثة الإنسانية في زمن الحرب.
وما تزال عمليات الخصخصة التدريجية لقطاع الاتصالات غضّة في ذاكرة السوريين، وليسوا بحاجة لإنعاش هذه الذاكرة فجيوبهم تكوي بشكل شبه يومي مما يدفعونه مرغمين.