في علاقة الإنسان بالغابة

في علاقة الإنسان بالغابة

نعتقد جميعا بأن علاقة الإنسان بالطبيعة هي علاقة ودية لكن تاريخ هذه العلاقة الودية غير معروف بالتحديد، صحيح أن البيئة المتوسطية نحتت بيد الإنسان على مر الأزمان لكن هذه العلاقة كانت على الدوام خاضعة للمؤثرات الاقتصادية والسياسية.

في حديث سابق مع الباحث البيئي م. فادي المحمود مدير محمية أبو قبيس الخبير في شؤون الحراج والموارد الطبيعية تحدثنا عن علاقة الإنسان بالغابة وتأثر هذه العلاقة بعلاقة الإنسان بالدولة.
علاقة سلبية «عثمانية»
تشير الدراسات التاريخية إلى أن علاقة الإنسان في منطقتنا-شرق المتوسط-مع الدولة العثمانية تاريخياً علاقة رفض مستمر، وانعكست هذه العلاقة سلباً على علاقة الإنسان والغابة، ففي حين كانت الدولة العثمانية تمعن في تقطيع الغابات، كانت الغابات والجبال ملجأً للفارين للمذعورين من بطش تلك الدولة، وكانت العلاقة مجرد منع من الاستفادة وتهجير ومطاردة لساكني الغابات من الفلاحين والمزارعين والمستفيدين منها.
قوانين الحراج المتعاقبة
واستمرت هذه العلاقة السلبية بعد الاستقلال من خلال القوانين صعبة التطبيق التي تم سنها لاحقاً، فكانت مهمة الخفراء الحراجيين على مدى قوانين الحراج المتعاقبة منع ساكني الغابات من الاستفادة من ثرواتها، ومهمة ساكني الغابة التهرب من بطش الخفراء الحراجيين والإمعان في تقطيع الغابة وتفتيت أوصالها قدر ما استطاعوا، وهي علاقة -عسكر وحرامية-مستمرة عبر وقت طويل.
لا طير يطير ولا دابة تسير
وكلما كانت القوانين الحراجية تزداد تطوراً، كانت هذه العلاقة تزداد سوءاً، وهي بذلك تذكرنا بقرار منع الصيد، الذي جعل من الأرض السورية مباحةً للصيد بشكل جائر ومرتعاً للصيد العشوائي، بحيث لم يبق طير يطير ولا دابة تسير على هذه الأرض، وكان من الأجدى سن قانون لتنظيم الصيد بدلاً من منعه.
قوانين تنظيم لا منع
إن الأجدى من القوانين الجائرة التي  تؤدي إلى  جور الإنسان على الغابة  هو سن قوانين تنظم هذه العملية بحيث تجعل ساكن الغابة شريكا في العملية، أي يصبح شريكا في حمايتها كذلك، إن الإنسان الساكن في الغابة مستفيدٌ قطعاً من الغابة، وهي مصدر رزقه الذي قد يكون الوحيد وهو قادر على أفضل أشكال استثمارها وإدارتها، إن معاملته كغريب لا يجوز له أن يمد يده إلى الغابة، يجعله إلى حد كبير دوماً في توق إلى تخريب ما يعتقد بأنه له، لكنه ممنوع من الاستفادة منه، إن الحد الأدنى وهو الانتفاع من الغابة الذي يضمنه القانون ليس موضع التطبيق، فكيف ينظر الإنسان إلى الغابة التي سكن فيها.
من هو المدافع عن الغابة؟
إن تصحيح هذه العلاقة من خلال قانون جديد للحراج يضمن أن يكون المدافع الأول عن هذه الغابة هو ساكنها، لأنه المستفيد منها أصلاً، إن عملية الشراكة في استثمار الغابة ليس شعاراً، وكل الجهود الفردية التي بذلت داخل المحميات وحولها من أجل إدارة رشيدة لموارد الغابة، من خلال إقناع السكان بالتعاون مع المحميات وإداراتها ذهبت هباءً منثوراً، بتصرف واحد من أي خفير حراجي قرب المحمية أو حولها.
فلسفة إدارة الحراج
إن فلسلفة إدارة الحراج كلها بحاجة إلى صياغة من أجل تطوير نوع مختلف من القوانين ويبدو أن هذه الطريقة في التفكير يمكن أن تطبق على إدارة البادية أيضا التي تواجه مشاكل شبيهةً وعلى إدارة الصيد كذلك وغيرها.
هيكلة قوانين جديدة
إن كل القوانين المتعلقة بعلاقة الإنسان بالطبيعة بحاجة إلى إعادة هيكلة لتغيير علاقة الإنسان بالطبيعة من خلال تغيير علاقة الإنسان بالقوانين والدولة وإزالة ما تبقى من هذا الإرث العدائي الذي تركته الدولة العثمانية في الذاكرة الجمعية، من خلال تعامل أكثر رعائية وأبوية بحيث تؤسس القوانين بيئة أكثر اقتراباً من الإنسان والطبيعة في آن معاً.