24 إطاراً لرامبو

24 إطاراً لرامبو

منذ بداية الستينيات ذهب العديد من الباحثين في العلوم البصرية لدراسة وتحليل وفهم ما تمثله السينما من مقدرات ورسائل تعبيرية واسعة في العديد من المجالات، وهذا ما جعل منها محرضاً وهاجساً للعديد من هؤلاء، ومع الحاجة إلى تضافر اختصاصاتهم مثل (علماء النفس والخيال والسيميولوجيا...) للوصول إلى قواعد يتفق عليها غالبيتهم.

فلنبدأ من تحليلنا للقطة السينمائية والتي تتألف من عدة إطارات (فريم)، فنحن نعلم أن كل ثانية من الشريط السينمائي تتألف من 24 صورة (إطار)، وعند الكثير من المحللين، هذه الصورة هي بمثابة حرف سينمائي تجتمع مع الصورة التي قبلها والتي بعدها لتقدم جملاً سينمائية، وعندما نرى هذه الصورة وحدها نجد أنها تتألف من عدة عناصر وتكوينات، وعند فصلها يكون كل جزء من هذه الصورة هو حالة بحد ذاتها،  تجتمع مع بعضها لتشكل الصورة كاملة، أي وبمعنى آخر، إن كل جزء من الصورة هو كلمة بحد ذاته، تتحد فيما بينها لتؤلف جملة كاملة.

فالصورة إذا ليست حرفاً سينمائياً بل جمل سينمائية عندما تتحرك هذه الصورة، وتتحرك داخلها العناصر المكونة لها ستأخذ عندها معنى آخر أكثر عمقاً وشمولية.

مهاجرين -صناعة

مهاجرين ماذا تعني لي؟ أناس مهجرين يسيرون أو يجتمعون في مكان ما بحثاً عن مأوى وحل لأزمتهم، وما الذي تعنيه كلمة صناعة، هي إنتاج مرتبط بالجهد البشري الذي يبذله أفراد المجتمع لإنتاج مواد أو سلع تخدم المستهلكين وتولد الأرباح.

لو وضعت هاتين الكلمتين متجاورتين على فانوس فوق ميكروباص لاختلف المعنى كلياً، ليكون بمثابة خط سير ينقل الركاب من منطقة المهاجرين مروراً بعدة مناطق أخرى ليصل بها إلى نهاية خطه وهي منطقة تدعى بالصناعة.

رامبو والحذاء البني

وهكذا بينت السينما من خلال الصورة تصل للمشاهد عشرات الرسائل ذلك بعد ربط العناصر المكونة لها وعند ربط هذه الصورة بسيل من الصور المتتابعة، نبدأ نحن بالتفكير وتحليل ناتج هذا الترابط الغني جداً جداً فما أدراك كيف سيؤدي الممثل، وماذا سيقول وكيف سيتحرك وتتحرك معه الكاميرا أحياناً؟؟ هذا العلم المعقد والعميق استطاع الغرب أن يستخدمه كسلاح ضد أفكار الأفراد والشعوب وخاصة عن طريق وسائل إعلامهم، لنسترجع معاً ما قدمه فيلم رامبو بعد أن صنعت هوليوود سيلفستر ستالوني ليجسد شخصية رامبو بكافة أجزاء الفيلم، علماً أن  الفيلم مبني على العنف البشري بممارسة القتل للأبرياء  من الفيتناميين، رامبو هو جندي أميركي كان متطوعاً في الجيش خلال حرب الفيتنام، وقام بقتل العديد من الأبرياء، رجالاً ونساءً وأطفالاَ في الجزء الأول لرامبو وقدمت آلة القتل هذه، على أنها بطل قومي عند الأميركيين وكل من قتل مدنياً أو طفلاً فيتنامياً صوّر على أنه رمز للحق الأميركي الزائف، في نهاية الفيلم، يشرح رامبو سبب دمويته وفقدان توازنه وهو رؤية صديقه المقاتل (القاتل) أثناء الحرب بعد أن أرسلت له عائلته حذاءً جلدياً بني اللون، فرح به كثيراً، يقول كلماته واصفاً حذاء صديقه الجندي وهو يبكي ويشهق: «عندما كان يربط حذاءه البني بترت ساقه وطارت في الهواء جراء قذيفة من العدو»، تخيلوا أصحاب الأرض والحق باتوا هم الأشرار الأعداء والقاتل الذي أتى عابراً للقارات هو الحق عند الإعلام الأميركي؟، لقد أشرف على دراسة هذا المشهد عدد من المختصين في مجال علم النفس وعلم الدلالة محاولين وصف وتبرير نتائج حربهم وخسارتهم، بمساعدة ممثل محدود الإمكانيات لكنه مرحب به وبمظهره وعضلاته وعنفه عند المشاهد الأميركي، هكذا بُرر عنف وقتل رامبو للأبرياء، حذاء بني وصديق بترت ساقه يقولها بنحيب ودموع.

في اجتياح العراق

لنعد بالذاكرة إلى اجتياح العراق والحرب الأميركية على شعبه العريق، عرضت الولايات المتحدة همجية حربها البربرية كأنها لعبة أتاري نراها عبر شاشات الكترونية ومشاعر رقمية لا تلامس ضمير أحد، أين صور ملايين الضحايا والأطفال والدمار الذي حل بالعراق الحبيب، وفي المقابل، تنفذ المقاومة الفلسطينية عملية في تل أبيب، يسارع الإعلام الغربي إلى تصوير تفاصيل لحفنة من الصهاينة يصرخون ويبكون، محرضين بذلك مشاعر من يشاهدها، وتكون هذه اللقطات قد اختيرت بعناية من قبل المختصين، سواء في الإعلام أو بعلم النفس، ليس من العجب أن تملك الصهيونية وتوابعها 80% من شركات الإنتاج وستين بالمئة من وسائل الإعلام، مليارات من الدولارات تنفق في هذا المجال بزمن انقلبت فيه المفاهيم ليسمى القاتل البطل المقدام.