أدوية أسلوب الحياة
في تقرير نشرته مجلة The Nation الأميركية، تبين أن واحداً في المئة فقط من مجموع الأدوية الجديدة التي تدخلتها شركات تصنيع الدواء الكبرى صُمم من أجل معالجة الأمراض الاستوائية التي تفتك بسكان تلك البلاد.
وهذا يعني بلغة الأرقام إن 13 دواء فقط صمم من أجل معالجة هذه الأمراض من أصل 1223 دواء أُنتج في الفترة بين عامي 1975 و 1997 مثالاً. وأن أربعة منها فقط أنتجت نتيجة الأبحاث التي قامت بها صناعة الدواء المتخصصة بمكافحة الأمراض الاستوائية، أما بقية الأدوية فهي إما نسخ محسنة عن أدوية سابقة، أو نتيجة لأبحاث عسكرية، أو أنها اكتشفت عن طريق الصادفة. وهناك دواء واحد جاء نتيجة اختراق طبي صيني.
ولتكون الصورة أكثر إيلاما ووضوحاً فإن الشركات الكبرى لا تصنع دواء يشفي نهائيا من داء الملاريا، ليس لعدم توفر سوق له، فالعالم يشهد 300 مليون حالة إصابة حادة سنوياً، وهذا سوق ضخم بلغة التجارة؟ لكن السبب المفجع والحقيقي هو أن هؤلاء الزبائن هم من الفقراء غير القادرين على دفع ثمن الدواء.
ألا يفسر هذا كلَّ ما سبق؟
بلى فالشركات المصنعة للدواء، تركز كثيراً في أبحاثها على نوعية أدوية يُطلق عليها اسم أدوية «أسلوب الحياة»، وهي أدوية لا علاقة لها بشؤون الحياة والصحة والموت. كالأدوية المستعملة لمنع تساقط الشعر، أو لإزالة التجاعيد حول العيون أو لتخفيض الوزن أو للعناية بالبشرة...الخ وأدوية «أسلوب الحياة»، هي سوق يُقدر بمليارات الدولارات سنويا، ويعتبر من أسرع قطاعات الدواء نمواً.
يمكن القول أيضاً إن هناك نوعاً من نظام عنصري في صناعة الدواء، فاهتمام الغرب تاريخياً بالأمراض الاستوائية لم يكن لحماية السكان المحليين وإنما جاء بدافع حماية جنود الدول المستعمرة الذين كانوا ينهبون تلك البلاد. وجاء اكتشاف واحد من أهم الأدوية لمكافحة الملاريا خلال حرب فيتنام،حيث احتل الداء المرتبة الثانية، بعد إصابات الحرب، بين الجنود الأميركيين.
وبالتالي فالفضل يعود للأبحاث العسكرية في إيجاد دواء للملاريا بهدف حماية الجنود من ذلك المرض القاتل. وقد أظهرت دراسة حديثة أنه من أصل أكبر 24 شركة تصنيع دواء عملاقة في العالم، لا توجد شركة واحدة تجري أبحاثا داخل مقارها حول مرض الملاريا، وأن شركتين فقط أظهرتا اهتماماً قليلاً جداً لإجراء بعض الأبحاث المبدئية. مع الإشارة إلى أن اختراع أي دواء جديد يحتاج ما بين 5 إلى 10 سنوات. ويبقى الخوف من أن بعض أنواع الملاريا قد تُطور مناعة ضد الأدوية المستعملة حاليا مما قد يعني كوارث أكبر بسبب هذا المرض الذي يفتك بالقارة الأفريقية. وفي دراسة أخرى تبين أن ستة فقط من أصل 41 دواء رئيسيا تستعمل لعلاج الأمراض الاستوائية أُنتجت في تسعينيات القرن الماضي، بينما اكتشف الباقي قبل عام 1985.
ولا ينـجو الباحثون الذين يعملون لشركات الأدوية، من الإخطبوط القاتل لتلك لشركات، إذ تعمد شركات تصنيع الدواء إلى شراء الباحثين كي يعطوها النتيجة التي ترضى عنها، ولا تتورع تلك الشركات عن إخفاء الباحث الذي يعمل بشكل يخالف مصالحها، أو تشويه سمعته العلمية. ولعل قصة الباحثة بيتي دونغ كما أوردتها وسائل الإعلام خير دليل على ذلك.
فدونغ وهي بروفسورة في الصيدلة السريرية في جامعة كاليفورنيا، رفضت تزوير نتائج أبحاثها لمصلحة شركة فلينت لصناعة الأدوية. فحاربتها الشركة وحاولت منعها من نشر بحثها وهددتها باتخاذ إجراءات قانونية ضدها.
استمرت البروفسورة دونغ في معركتها وتمكنت بعد جهد جاهد، وبعد أن أصبحت القضية تحت الأضواء الإعلامية، من نشر أبحاثها عام 1997، التي أثبتت أن دواءً تنتجه فلينت وتبيعه بسعر مرتفع جداً يفوق سعر أمثاله في السوق دون أن يتفوق هذا الدواء بفاعليته على مثيلاته، ما أدى إلى قيام المرضى الذين استعملوا هذا الدواء بمقاضاة الشركة مطالبين بتعويضات. فليست الأخلاقيات هي التي تتحكم بأعمال شركات تصنيع الدواء، كما يدعي البعض بل المصالح الاقتصادية وجشع المصنعين أولاً وأخيراً.