تقاليـد الفـلاحـة في التراث الشعبي
في كتابه المعنون تقاليـد الفـلاحـة في التراث الشعبي الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب يتحدث الكاتب محمود مفلح البكر فيقول:
ورثت الثقافة الشعبية في بلادنا ذخيرة هامة من التقنيات والمعارف، والعادات والتقاليد، والمعتقدات، والآداب، ذات الصلة الوثقى بالفلاحة، وهو ما انصب عليه جهدنا في هذا العمل، الذي لم يخل من عقبات جدية.
وأول ما يواجه الباحث هنا قلةُ الإمكانات الفردية، وغياب المؤسسات الراعية التي تواكب عمل الباحث وتذلل العقبات، إلاّ في حالات نادرة لا يقاس عليها، وصعوبةُ التنقل بين الأقطار العربية، التي تشكل عائقاً فعلياً أمام كثير من الدراسات كهذه الدراسة، وأضيف إليها الظروف الطارئة التي حدت من تنقلاتي كثيراً.
حاولت - على الرغم من الصعوبات الجمة - أن أتقصى قدر المستطاع، معتمداً على مخزون المواد الأولية التي وثقتها خلال السنين الماضية، ولقاء رواة ذوي خبرة، وعلى خبرتي الشخصية، ومشاهداتي في كثير من المناطق، وعلى ما توفر من مراجع مكتوبة، تشمل الكتب وبعض المجلات.
لكن النظرة المتأنية في هذه المؤلفات تكشف عن مثالب مختلفة، في مقدمتها الاستسهال، والتعجل، وضعف التوثيق، الذي من نتائجه تشوش المعلومات وتضاربها، وطرح المعلومة دون التثبت من صحتها، والخوض في مواضيع متباينة، وغير متكاملة.. والمراجع التي تخلو من هذه العيوب نادرة، مما يشير إلى إشكالية حقيقية في شؤون البحث عندنا.
ولهذا اكتفيت غالباً بالصور المرفقة في هذه المراجع، فالصورة ليست محل شك تقريباً، وببعض المعلومات المعروفة المتداولة، التي تأكدت منها أثناء عملي الميداني، ولقائي الرواة للتيقن من التسميات الصحيحة في هذه المنطقة أو تلك، وتجنبت ذكر بعض المعلومات التي شككت فيها كي لا أعمم معلومة ربما لا تكون صحيحة.
وغايتي من هذا العمل سد فجوة في مكتبة التراث الشعبي، وتقديم عمل متكامل إلى حد ما على حسب ما سمحت به الظروف، ولأن غايتي الأساسية تعرُّف أدوات العمل وتقنياته وأساليبه في التراث الشعبي.
ومن الأهداف أيضاً معرفة قائمة كبيرة من المفردات والمصطلحات والتسميات، التي حاولت دعم بعضها بالصور والرسوم التوضيحية لإزالة اللبس عن دلالتها، لما تشكله من ذخيرة لغوية وثقافية هامة، يمكن أن تغني المعاجم بألفاظ كثيرة اشتقها الناس، ولم ترد في المعاجم القديمة، أو وردت مشوشة الدلالة، أو بدلالة مغايرة، أو وردت معانيها بألفاظ كانت متداولة في مناطق معينة في الماضي، وسها اللغويون القدامى عن مثيلاتها في غيرها من مناطق.
شكل العمل الفلاحي في تراثنا الشعبي منظومة ثقافية متكاملة، ذات جوانب اجتماعية واقتصادية وأدبية، أفرزت عدداً من المهن والحرف، وعادات وتقاليد ومعتقدات، وأنتجت فنوناً من الرقص والغناء والأدب.. وعلى الرغم من صلة هذه الجوانب بالمجتمع الفلاحي، فقد قصرت الدراسة من هذه الناحية على ما له صلة مباشرة بالعمل الفلاحي، منعا لتشتت الموضوع.