أجهزة العلاج والكشف عن الفيروسات : ضرورة التمييز بين التمني والتقييم العلمي (2/2)
د. محمد أشرف البيومي د. محمد أشرف البيومي

أجهزة العلاج والكشف عن الفيروسات : ضرورة التمييز بين التمني والتقييم العلمي (2/2)

من الضروري التمييز بين النظريات العلمية وتطبيقاتها. فمثلا لم نحتج لنظرية جديدة للوصول إلى القمر أو إلى زرع أعضاء مثل القلب أو الكبد أو إلى استخدام البيولوجيا الجزيئية لتخليق أعضاء جديدة للإنسان. ولكننا احتجنا لنظرية جديدة لفهم سلوك الالكترونات في الذرات والجزيئات وامتصاص الضوء لها وانبعاثه منها. وهكذا انبثقت نظرية الميكانيكا الكمية بعد فشل الميكانيكا الكلاسيكية في فهم الصفات الالكترونية في الذرات والجزيئات. لم يعن هذا أن الميكانياكا الكلاسيكية غير صحيحة ولكنها تنطبق فقط على الجسيمات ذات الكتلة الكبيرة بالنسبة للإكترون مثل الكرة أو الصاروخ والتي تتحرك بسرعات بطيئة بالنسبة لسرعة الضوء الهائلة. صحيح أننا احتجنا إلى تقدم تكنولوجي هائل في العديد من المجالات مثل علم المواد والكمبيوتر ووسائل الاتصال وغيرها لتحقيق انجازات هائلة ولكننا لم نحتج إلى نظريات جديدة باستثناء ضرورة تطبيق الميكانيكا الكمية  في كل مايتعلق بالجسيمات الصغيرة في كتلتها مثل الإلكترون.
المطلوب في شأن تقييم اكتشاف أو اختراع جديد أو حل مشكلة تكنولوجية هو الدراية الجيدة بالمنهج العلمي و بالقوانين العلمية الثابتة، وفي هذا المقام نذكر أن العالم فايمان المعروف وغير المتخصص في تكنولوجيا الصواريخ هو الذي حل لغز انفجار صاروخ شالنجار والذي أودي بحياة كل رواد الفضاء الذين كانوا على متنه، بسبب تسرب الوقود نتيجة تحول مادة مطاطية عازلة إلى  مادة هشة بسبب انخفاض درجة الحرارة. هنا تجلي المنطق العلمي وسبق المتخصصين. أما دور المتخصص فهو في اجراء التجارب المعملية والمؤدية لتكرار النتائج نفسها تحت ظروف محكمة. وفي حالات كثيرة مثل موضوعنا هذا نحتاج لتخصصات متعددة للتقييم العلمي الجاد: فيزيائين وبيولوجيين وكيمائيين وبيوفيزيائيين ومهندسين وأطباء..الخ فالطب وأدواته ليس منفصلا عن هذه التخصصات.

إدعاء تحويل الفيروس إلى غذاء

أما عن إدعاء تحويل الفيروس إلى غذاء بروتيني للمريض فهذا يتناقض مع الحقائق العلمية بشكل حاسم. فكتلة الفيروس الواحد فمتوجرام، فاذا كان هناك مليون فيروس في الملليتر يصبح العدد في الليتر من الدم بيكوجرام ولأن الإنسان لديه حوالي خمسة ليترات من الدم، تصبح الكتلة الكلية للفيروسات في جسم المريض المصاب حوالي خمسة ميكروجرام حتى إذا افترضنا أن الفيروس كله بروتين وهو غير ذلك فهناك مكونات أخرى (أحماض نووية التي تحمل المعلومات الوراثية). هذه الكمية لا تراها العين ولهذا فالكلام إن تحطيم الفيروس وتحويله لمكونات البروتين يصبح غذاء يحتوي على كمية هائلة من مكونات البروتين يضرب بالعلم عرض الحائط.

القانون العلمي ليس وجهة نظر

العلم له قوانين أساسية وقواعد ثابتة متفق عليها من المجتمع العلمي (على سبيل المثال استحالة خلق شيء من العدم) وأي اكتشاف يتناقض مع المبادىء المتفق عليها مشكوك في صحته حتى يقدم الباحث الدلائل على صحته. أما عندما تصطدم حقائق علمية جديدة ومتعددة مع النظريات السائدة نكون بالفعل بصدد اكتشاف نظرية جديدة أو في الغالب نظرية أكثر عمومية من سابقتها. وهذا حدث بالفعل عند نشأة نظرية الميكانيكا الكمية التي ساهم في بروزها العالم المصري علي مصطفى مشرفة. فمثلا عندما طرح العالم «دي بروجلي» إمكانية الحديث عن موجات مصاحبة لحركة الجسيمات، لم يُقبل هذا الطرح إلا بإثبات معملي واضح انتهي بقبول الافتراض واختراع الميكروسكوب الإلكتروني الذي يعتمد على هذا الافتراض وهكذا ولدت وسيلة جديدة بحثية لها تطبيقات هائلة.

تساؤلات علمية ومحورية

هناك تساؤلات علمية ومحورية حول العديد من المسائل المتعلقة بالموضوع:
• ماهية الأشعة الكهرومغناطيسية التي يقال إنها تنبثق من الفيروس وتركب (كما ذكر د.أحمد مؤنس العضو في الفريق الطبي للإختراع) مع  الموجة المنبثقة من الجهاز الذي به البصمة الجينية للفيروس فينتج عن ذلك طاقة حركية في حالة مريض يحمل الفيروس. هذا كلام لا يمكن قبوله علميا. نريد دليلاً علمياً على انبثاق هذه الأشعة من الفيروس، أيا كانت موجاتها. 
• وحول تكسير روابط  البروتين الذي يغلف الفيروس دون تكسير روابط أخرى فما هي الأسس النظرية لهذا الأمر؟
• جهاز الكشف عن المفرقعات الذي يعتمد على الأساس نفسه الذي يستند إليه اختراع التشخيص عن الفيروس قد ثبت عدم فاعليته أما صاحب الشركة الذي باع العديد من جهازه بعشرة آلاف جنية استرليني للجهاز الواحد ثبت عليه تهمة النصب ويقبع الآن في السجن بانجلترا بعد الحكم عليه سبع سنوات!!
• أما براءة الاختراع التي قدمت للمنظمة العالمية للملكية الفكرية في جنيف عام 2011 فقد رُفِضت لغياب الأساس النظري و الدليل المعملي. كما أن الورقة لإختراع سي فاست منشورة في دورية «الاكاديمية العالمية للعلوم الهندسية والتكنولوجية» التي لا ترقى إلى مستوي الدوريات المعروفة في مجالات الطب والعلوم والتي تخضع لنظام تحكيم صارم.
• ماهو دور الكبسولات التي  يتناولها المريض لرفع مناعته وعلاقة ذلك ببقية العلاج؟ وهناك تساؤل حول ما إذا كانت محتوياتها من أعشاب غير محددة.
• إن اكتشاف وسيلة علاجية تقضي على فيروس الإيدز و فيروس سي وانفلونزا الخنازير ويعالج الانيميا وضغط الدم ومرض السكر ويحسن وظائف البنكرياس والكلة والكبد والقلب يجب التعامل معها بريبة شديدة، خصوصا وأن ذلك يتطلب حسب أحد المساهمين في الإختراع تغيير القوانين العلمية في مجالات الكيمياء والفيزياء والبيوفيزياء.
• إن مقولات للباحث الأساسي وإداناته للآخرين تتناقض مع آداب النقاش العلمي.

كلمة أخيرة ولعلها  الأهم

قناعتي أن هذا الاختراع، سواء الكشف عن الفيروس أو علاجه بصحبة باقة من الأمراض الأخرى، ليس له أي أساس علمي. وللأسف أنه يتناغم مع رغبة البعض الجامحة لتصديقه.  يساعد في ذلك تدهورالثقافة عموما وغيابها في المضمار العلمي.
إنه لمن المؤسف والمحزن غياب مرجعيات علمية جادة في مصر تكون إحدى مهماتها ضبط الأمور في قضايا البحث العلمي والاكتشافات العلمية. ولعلنا نتساءل أين دور أكاديمية البحث العلمي المصرية في هذا الصدد؟
أشير أيضا إلى الوضع المتردي للبحث العلمي في مصر وما يصاحبه الآن من انتهاك متكرر للأمانة والدقة العلمية، رغم أن البعض يدغدغ مشاعر المواطنين بمقولات تسعدهم دون أساس . ولا يمكن أن نفصل هذا عن غياب برامج تنمية محلية معتمدة على التقدم العلمي والتكنولوجيا والذي يعتمد أساسا على قاعدة علمية وطنية متفاعلة بندية مع مؤسسات البحث العلمي في الخارج وتساهم بشكل ملموس في التقدم الصحي والصناعي والزراعي مما يؤدي إلى تحسين ملموس في الأحوال المعيشية للمواطنين كافة.
 
عن موقع حركة الديمقراطية الشعبية المصرية