نحو إيجاد شبكة وطنية لتبادل المنتجات الثانوية (النفايات)
للانتقال من الاقتصاد الخطي، المنتج بالضرورة للنفايات، إلى الاقتصاد الدائري، فإن ذلك يتطلب توطين مفهوم الإيكولوجيا الصناعية التي تسعى، عبر منظومة من التصاميم، إلى جعل نفاية صناعة ما (أو أية فعالية أخرى) كمادة أولية لصناعة أخرى (أو أية فعالية أخرى)، وبالتالي التخلي نهائياً عن مصطلح نفاية (waste) وإحلال مصطلح منتج ثانوي (by product)
تستلزم الإدارة البيئية المتكاملة إغلاق دوائر حركة المادة الأولية والمنتجات المشتقة منها، بحيث نضمن عدم ضياع أي مقدار مادي أو طاقي. وبآلية كهذه، فإننا نقلّد الطبيعة والتي عبر صيرورتها لا تولد أية نفاية، فكل مقادير الطبيعة ذات قيمة تُشتق منها التنمية. وعلى صعيد التنمية، فإن الكمون الأساسي لإدارتها إنما يعتمد على مفهوم الإنتاج الأنظف (cleaner production) المبني على أساس تقليص استهلاك الموارد الطبيعية وتقليص استهلاك المياه والطاقة وتقليص إنتاج النفايات وكذلك الانبعاثات وصولاً إلى ما يُسمى بالانبعاث الصفري. وبتناول عملية التنمية البطيئة في سورية، نجد، وبسهولة، تدني الأداء البيئي فيها، مما أدى ويؤدي إلى اعتلالات بيئية شاملة. فعلى سبيل المثال، وضمن المعايير البيئية في الاتحاد الأوروبي، تمت إزالة تقانة الشعلة (flare) في مصافي تكرير النفط كتقانة لحرق أكاسيد الكبريت والآزوت. وبالمقارنة، نجد أن مصافي تكرير النفط في سورية مشيّدة في الأمكنة الخاطئة وتقوم بحرق أكاسيدها الملوثة للبيئة والمؤثرة، وبصورة سلبية، على صحة الإنسان
ويتمثل الإصحاح البيئي هنا في تحسين استرداد الغازات الذيلية بصورة كلية وتحويلها إلى كبريت عنصري يُساق لتصنيع حمض الكبريت اللازم لمهاجمة الفوسفات الخام وبالتالي تصنيع حمض الفوسفور كمادة أولية لتصنيع الأسمدة الفوسفاتية، وإلى آزوت يُساق بدوره إلى تصنيع الأسمدة الآزوتية. ونبقى في صناعة النفط والغاز السورية للإشارة إلى أن استخراج برميل واحد من النفط الخام يستلزم حقن أكثر من عشرين برميلاً من المياه العذبة التي تصبح لاحقاً مياه مفرطة الملوحة وتمتلك سويات إشعاعية ملموسة. وتاريخياً، كانت هذه المياه الملوثة إشعاعياً والمفرطة الملوحة ترمى في الحقول مباشرةً، مما أدى إلى إخراج آلاف الهكتارات من الاستخدام المستدام للأراضي في سورية. ولإغلاق الدوائر في إدارة المقادير، يجب الاستفادة القصوى من النتائج المرموقة التي توصلت إليها الباحثة السورية الدكتورة سوزان عبد الله عبر استخدام فوسفات ثلاثية الصوديوم لتنقية المياه المرافقة لصناعة النفط والغاز مؤكدة على الاستخدام المأمون لهذه المياه في عمليات الري وتهيئة المراعي في مناطق موصوفة أساساً كمناطق جافة وشبه قاحلة.
وبغية إيجاد شبكة وطنية لتبادل المنتجات الثانوية (النفايات) في سورية، فإن المقاربة الممكنة تتمثل في إيجاد منتزه صناعي – إيكولوجي في المجمع الصناعي – الزراعي الموجود في بانياس بمحافظة طرطوس، إذ يتمتع هذا المجمع بتجاور كل من: شركة محروقات والشركة السورية لنقل النفط وشركة مصفاة بانياس ومحطتها الحرارية الداخلية والمحطة الحرارية لتوليد الكهرباء ومعمل الأسمنت والزراعة المحمية وأحواض تربية الأسماك. في هذا المجمع، يمكن تبادل العديد من المنتجات الثانوية (النفايات) بين مكونات المجمع.
فعلى سبيل المثال، يمكن تسيير الرماد المتشكل عن حرق الفيول في المحطتين الحراريتين إلى معمل الأسمنت ليصار إلى استخدامه كمادة داعمة للبورتلاند، كما يمكن تسيير الحمأة القاعية في خزانات النفط الخام في الشركة السورية لنقل النفط إلى وحدة الإسفلت (أو وحدة التكويك) في شركة مصفاة بانياس للحصول على قطفات هيدروكربونية وإسفلت، كما يمكن تحويل الفائض في المياه الساخنة في شركة مصفاة بانياس وفي المحطتين الحراريتين إلى تدفئة الزراعة المحمية أو إلى رفع درجة حرارة مياه أحواض تربية الأسماك عبر مبادلات حرارية غير معقدة. ويتمثل توليد القيم المضافة «المجانية» في استخدام المرايا لاستقبال ضوء الشمس وعكسه على مستقبلات يمكن أن ترفع درجة حرارة مياه الدخل في المحطات الحرارية لتوليد البخار (الكهرباء) إلى قيم عالية جداً موفرةً بذلك مقادير هائلة من الطاقة. وبالطريقة ذاتها، يمكن رصد أمكنة أخرى لتوطين مفهوم الاقتصاد الدائري الذي يتعامل مع النفاية كقيمة مضافة كمونية. على هذا الصعيد، يتمثل المقترح بتحويل الحمأة المتشكلة في محطات معالجة مياه الصرف الصحي في سورية إلى المساحة الشاسعة المحيطة بالمدينة الصناعية بحسياء في محافظة حمص، وفي الوقت ذاته تحويل مياه الخرج الناتجة عن محطة معالجة مياه الصرف الصحي في حمص إلى المنطقة ذاتها، ومن ثم زراعة المنطقة بأشجار خشبية تكون صالحة لصناعة الأخشاب كشجرة الشيح النادرة، والتي كانت الشجرة الرائجة في تلك المنطقة قبل أن يقطعها ويفنيها الاستعمار العثماني البغيض.